نقد الأمل

الطبعة الأولى 1995
دار الكنوز - بيروت
الغلاف طالب الداوود
عدد الصفحات 147
الطبعة الثانية ‏1998‏
دار الكنوز - بيروت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 208

 

ثلاث ثوان من اليد في الجمر

1

حين تبدأ الكتابة ما الذي يضيئ الحفل
تحضر جميع العناصر الأدوات والأخلاط الماء والنيران والفضاء الذي لانهاية لهيضع الكاتب جبهته على حافة الكون ويعتقد بأن كل شيء بات جاهزا وما إن يكتب كلمته الأولى حتى تبدأ الألعاب النارية في اقتحام الظلمة واختراق قبة سحرية يسمونها المخيلة ثم لا تبقى فتنة هاجعة في سريرها وساعتها لا تعود
الجغرافيا ولا الفيزياء قادرتان على تفسير المشهد
لا يعود المكان مكانا ولا الزمان
في الكتابة يصير المرء قادرا على سبر الرؤى غير المنظورة في الخارج فالكتابة هي الداخل الكامن المتحفز المسكوت عنه الدي لايخضع لما نستعد به قبل . ذلك

.هنا تتمثل صعوبة التفسير الذي نسعى إليه طوال عمرنا : كيف تحدث الكتابة

2

لا أحد يعرف والذين يعتقدون بأن ثمة مبالغة في الأمر ما عليهم إلا أن يجربوا لمرة واحدة و ض ع يدهم في كومة الجمر ويصبرون على >ذلك ثلاث ثوان فإذا تسنى لهم المكوث هناك سوف يقدرون على تفسير ما يحدث في تلك الثواني الثلاث الكتابة ليست الجحيم الذي في كومة الجمر لكنها في اللذة الفاتنة فيما اليد مدفونة هناك إنها في كنه المشاعر التي تجتاح مخيلتك وأنت تفقد يدك بهذه
السرعة الخرافية لتكسب جسدك وروحك معا فالصور التي تجترحها مخيلتك في تلك اللحظات الثلاث وأنت في نقيض الفردوس هي ما لا يفسر لكنه الحقيقة ليس في الأمر مبالغة لكنه ضرب من قدرة الانسان على الذهاب إلى النقيض وهو في

نقيضه ربما كانت الكتابة هي قرينة الحياة ونقيضتها في آن فليس الموت نقيض الحياة تماما إنما هو نقيض يضع الحياة في المسافة التي اقتطعت من زمن يغادره الكاتب لحظة الكتابة الحياة هي شيئ حدث في الماضي إما الكتابة فهي شيء يحدث

لك الآن منذ الآن ليجعل المستقبل محتملا (على الأقل) بالنسبة لك وما لم يجتاز الكاتب زمن الحياة بهذه السرعة البارقة مثل يد ممنوحة للنار ويد أخرى ممدودة في عتمة الكون تفكر بلذة النقيض فإنه لا يقوى على رؤية ما تحجبه الحياة نفسها برتابة الميثولوجيا فالكتابة من حيث هي فعل حرية تتطلب أعني تستدعي طاقة خلع القمصان كلها ووضع الصدر العاري في المهب العاصف فعل الحرية هذا أحد أهم العناصر التي لا يستطيع الكاتب أن يحقق ذاته بدون ذهابها الأقصي حيث الانعتاق من الأوهام التي تحبس الكاتب في ماهية الحياة الأولى حياة هي نقيض يخشى من نقيضه فيعمل على تفاديه بمحاولة تكريس كتابة عقلانية محضة تخضع لما تقوله الحياة وما تقوله الحياة هو هذا الواقع المحيط الذي نعيشه ولا نكتب أعني لا نقول سوى ما تقترحه (أعني تفرضه) علينا هذه الحياة ونكون بالتالي قد أعدنا إنتاج ما تقوله الحياة لنا بضرب من فعل خضوع بعيدا عن فعل الحرية سنكون دوما عبيدا لهذه الحياة وهي حياة فانية زائلة في حضور نقيضها الكتابة كتابة مستقبل الآن

3

ثمة من يريد للكتابة العربية أن تكون واقعية (لا أعني هنا المصطلح الأيديولوجي المعروف) وأن تكون أمينة على عدم التناقض مع ما هو معروف وسائد وموجود ومتحقق وكل كتابة لا تمتثل ستكون ضربا من الخيال والجنون حسنا نريد أن نؤكد بأن الكتابة هي جنون / الخيال بالضبط وبدونهما لا نعود نكتب شيئا خاصا وجديدا في كل العصور كانت الكتابة الجديدة هي التي ص درت عن مخيلة في ما يشبه الجنون وإذا تسنى للقارئ أن يدرك معي بأن الجنون الذي أذهب إليه شئ غير ما توحي به كلمة جنون (سيكلوجيا ) فسوف نكون على مقربة من بحث مشترك لحدود الكتابة لقد بالغ البعض في وضع القوانين لكي تظل الكتابة (معقولة) وبالغ البعض الآخر في الخضوع لهذا المعقول الذي يعيد لنا إنتاج ما (تقوله) الحياة عنا فنصاب يوما بعد يوم بالخسارات الفادحة حيث العديد من المواهب الأدبية والفنية تبدأ مشتعلة بشهوة الآكتشاف والكشف وسرعان ما تخبو مستسلمة لمواعظ الحياة والواقع بالمعنى (الموضوعي) للكلمة مما يؤدي إلى وقوع هذه المواهب في شعور سلبي بالهزيمة والاحباط لأنها لم تقدر على ملامسة النور الذي تزخر به الأقاصي ولا يعود المعطى المتواضع الذي تبتذله لها تلك المواعظ مغريا بالمواصلة ولا تعود الكتابة فعل حصانة ذاتية لها فلا هي حققت فعل حريتها الذاتية لكي تتجاوز شرط الواقع ولا هي نالت الحب لئلا تنال منها شروط الحياة

بين فعل الحرية وفعل الحب الذي يحتاجه الكاتب خيط سري من الحياة الغامضة العصي ة على الوصف فالحب هو أيضا أحد أهم العناصر التي لا يقدر الكاتب الاستمرار عاريا منها وما علينا إلا أن نراقب الكاتب وهو يتلقى المزيد من سوء الفهم وعدم التعاطف والمحاربة والأذى (بشتى ضروبه) لكي نكتشف إلي أي حد يكون الكاتب قابلا للعطب وهو يفقد سلاحه الأثير : الكتابة يفقده لأن الحياة التي يعظونه بها هي ذاتها التي تضع له الجحيم في الوسادة وتجه ز له النوم الأخير بلا هوادة دون أن تتيح له لحظة التمتع برؤية الحلم ففي الجحيم لايعود في الوقت متسع لغير الكوابيس وإذا اعتقد البعض أن في الأمر مبالغة ما عليهم إلا أن يفقأوا عيني نسر ويطلقونه في ليل الجبال ثم يواصلون مسائلته عن عدد الجروف التي يمكن أن تكون راحته التالية. الكتابة هي شئ شبيه إذا بقي الكاتب عرضة لما لا يقاس من سوء الفهم ولما لايحتمل من الاستهانة بحريته في أن يتجنح بالحرية والحب معا

4

أنت لا تكون متحققا في كتابتك بدون أن تصدر عن أصغر القوادم في هذين الجناحين قريبا في القلب وأعلى كثيرا من الجبال. فأنت برؤيتك الكون بهذه الحرية والحب تقدر على تحقيق النقائض لكي تفسد على الحياة استسلامها. خصوصا إذا تسنى لك الخروج عن درس يتبرع به سدنة الواقع. الكتابة لا يعلمك إياها شخص آخر إنك تحسنها مثل سمكة في البحر فإما أن تكون كذلك أولا تكون وما عليك إلا أن تشك في ما يثق فيه الآخرون وهم يضعون لك درسا تلو الدرس لكي تخضع لحياة ليست لك ولست

لها الكتابة هي أنت في لحظة لا يطالها الواقع ليتنا نخلع الحياة السائبة عن الكتابة لكي يتسنى لنا تحقيق أكبر قدر من البهجة بمكتشفات المخيلة في حياة محرومة أو فقيرة للحرية والحب. لذا فإننا لا نجد هاذين القنديلين الفاتنين

إلا في لحظة نجتاز خلالها تخوم الحياة (مثل برق) ذاهبين إلى الكتابة والذين يعتقدون إن في هذا شئ من المبالغة ماعليهم إلا أن يعقدوا مقارنة متأملة بين حرف الحاء في أبجدية العرب والكلمات التالية : الحب الحرية الحياة الحركة الروح الحنان الحزن الحنين للقارئ أن يبحث عن باقي القرائن وإذاما اضطربت موهبة الميزان في تجربة الكاتب وهو يمنح كتابته فعلى لمن يخالجهم الشك أن يرقبونه وهو يتفادى البحث عن حبله النحيل

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى