نقد الأمل

الطبعة الأولى 1995
دار الكنوز - بيروت
الغلاف طالب الداوود
عدد الصفحات 147
الطبعة الثانية ‏1998‏
دار الكنوز - بيروت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 208

 

عندما في القاهرة

  • عندما يصعد "علي شلش" إلى غرفته ليرتاح قليلاً، من كل هذا الضجيج، ويتأخر إلى هذا الحد (حيث لا يعرف أحد أين ذهب بالضبط)، فإن مناسبات صاخبة، على هذه الشاكلة، كفيلة بأن تنتخبنا واحداً واحداً قبل نهاية القرن، وهذا فأل حسن يدعو إلى التفاؤل.

  • عندما، بغتة، تعرف أن زميلاً لك تناولتَ معه الافطار، يموتُ في الغرفة المجاورة في الفندق ذي الأروقة الباردة، سوف يسيطر عليك شعورُ المقيم في إحتمالين :
    • معسكر إعتقال، نحصل فيه عي الطعام ببطاقات صغيرة كمافي زمن الحرب، يسعى به إليك، بتثاقل شديد، شخصٌ متجهم نادر الاكتراث، مثل نادلٍ سأمَ خدمة عسكر متغطرسين، فطابَ له أن (يفشّ خلقه) في شعراءٍ مزعومين.
    • تابوت يضيق عليك كلما حركتَ جسدك من كل جانب، وعليك، رغم ذلك، أن تحضر الجنازة والعزاء والتأبين، ثم تستدير لكي تقرأ شعراً في حضرة عدٍد لا بأس به من المقاعد المشحونة بالغائبين وبالحزن الطازج. وتسمي هذا العبث... على آخره.
  • عندما يجفّ ريقُ الشاعرمحمد عفيفي مطر وهو يقرأ شعره في جمهور المسرح القومي، ويصرخ طالباً الماء لئلا تتجرح حنجرته، ينجده بالماء شاعرٌ آخر هو أمجد ناصر، صاعداً إليه من الجمهور ذاته، فنكاد نشمّ رائحة الطمي وهو يتحدث على سجيته صاعداً من الصعيد الجواني.

  • عندما إلتفتَ محمد عبدالمطلب في ورقته النقدية إلى شيئ من تجربة شباب الشعر في مصر، سارَعَ محافظون آخرون لإقناعه بعدم الاستسلام (إلى هذا الحد) لحماسه النقدي، لجديدٍ مشكوك في شعريته. وربما اعتبر بعضهم هذه الالتفاتة تهوراً لا يليق برزانة الشيوخ وهم ينتقدون. ويستمر ويتكرس الصراع المجاني بين جيل يتشبث بعقارب الوقت، وجيل يذرع الزمن منذ الستينيات حتى الساعة السابعة هذا الصباح، مستهلكاً طاقته الشعرية، متوهماً الانتصار على ما لاطاقة له على مجرد مشاهدة أفلام الحروب.

  • عندما اقترحَ كمال أبو ديب قراءته لأحدث تجارب الشباب، معتمداً ملامسة ظاهرة التشظي (التي يلذّ له دوماً التوغل في اكتشاف كنه بنيتها الشعرية) كإنعكاس لتشظي الواقع، اعترض عباس بيضون مقترحاً (بفتوة تروق، على الأرجح، لنا جميعاً) أن ثمة مراجعة ضرورية لكل هذه الأطروحات، فيجسدا معاً (المقترِحُ و المعترِضُ) أجملَ أشكال الحوار النقدي الذي لا يتنازل عن شهوة الشعر.

  • عندما تكاسرَ الشعراءُ على منصة المسرح القومي لقراءة شعرهم، واستحكم البعضُ وراء الميكرفون كمن يقف خلف حاجز ٍ، يقصفُ الجمهور، ويأخذ على وقته المخصص أوقات غيره، ليتسنى لمن جاء دوره فيما بعد أن يقرأ عنوان قصيدته فحسب، اضطربَ عندنا الميزان : بأي الضحيتين نرأف : الشعر أم الجمهور.

  • عندما يتقدم شاعرٌ في شيخوخته، نحو المنصة، مستغرقاً الوقتَ كله قبل أن يصل إلى مقصده، ليتهدج بقافية تمدح الماضي بإعتباره سيداً، سوف ترتبكُ فتاةٌ وهي تتعثر كأنها تذهب إلى عرس متأخر، لتقول كلماتها الصغيرة تهجو المستقبل بإعتباره عبداً، وتركض هاربة إلى مقعدها المعتم رافعة ذراعيها تمجيداً، فرحة بمشاركتها الأولى في هيلمان على هذه الشاكلة.كان علينا أن نقيسَ المسافة بين الشيخوخة والفتوة بحواسنا كلها بصبر و أناة.

  • عندما انتشرَ مندوبوا الصحافة لإقتناص اللقاءات مع الشعراء والنقاد، تحتمَ على البعض أن يراوح بين حرج الاعتذار أوالتورط في تقمّص أدوار غير مؤهل لها. فلستُ أعرف بالضبط العلاقة بين كتابة الشعر والكلام عن القضايا الكبرى التي تتسلح بها بعض الأسئلة (ما هو دور الشعر في مقاومة المشروع الصهيوني، مثلاً). وربما صادفتَ شخصاً يسعى، بحب، لإجراء حديث معك، يبادرك بسؤال غير متوقع (ما هو اسم أول كتبك، مثلاً). مما اضطر سعدي يوسف لأن يترك المقعد أمام كاميرا إحدى القنوات الفضائية، بعد أن اكتشفَ شخصاً لم يقرأ له قصيدةً، يريد أن يُجهزَ عليه بقائمة من الأسئلة.

  • عندما حانَ أوان ذهاب المشاركين إلى الأقاليم المصرية خارج القاهرة، انتعشتْ شهوة السائح أكثر من هاجس الاتصال الثقافي، وأقصى ما تمكنَ بعضُنا تداركه هو الاعتذار عن السفر لأسباب كثيرة، ليس من بينها سببٌ ثقافي واحد.
    فعندما في القاهرة، يجتمع هذا العدد من ذوي الشعر والنقد، نتمنى أن تبدأ الفعاليات منذ الوهلة الأولى، وفي نفس الوقت، في المحافظات الأخرى، لئلا يكون الذهاب، فيما بعد، ضرباً من توزيع البواقي وتحقيق النزوعات السياحية، ويكون الجميع قد بلغ به التعب مبلغه.

  • عندما في القاهرة
    بعد الشعر والنقد، وبعد حلقات النقاش الصاخب، من المحتمل أن تغادر مختلجاً بما يفعل أهل مصر : أن تحب مصر على طريقتك، كثيرٌ من الاصغاء وقليلٌ قليلٌ من الكلام. ففي هكذا محفل (وهذه عادة عربية خالصة) لا يصغي أحدٌٌ لأحدٍ، فالمحروم من الكلام في بلاده يأتي إلى (أي هناك) مدخراً الكلام كله، وعندما يلتقي هؤلاء بالمحرومين من الكلام في أحزابهم، سوف يتحتم على الجميع، الجميع بلا استثناء، الكلام دفعة واحدة، وتأجيل الاصغاء لوقت آخر.. وقت لا يأتي على الأرحج.*
 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى