نقد الأمل

الطبعة الأولى 1995
دار الكنوز - بيروت
الغلاف طالب الداوود
عدد الصفحات 147
الطبعة الثانية ‏1998‏
دار الكنوز - بيروت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 208

 

الندبة الخضراء

قُلْ لنا إذن، كيف عبَرتَ كل ذلك الليل والنهار، عندما كنت تتقافز من شجرة في الغابة إلى غصن في الشجرة، ومن شرفة في شارع إلى سرير في سرداب، حاملاً كيسك الجلدي، متوتر الأعضاء، مفتول الذاكرة. لم تزل آثارك متروكة على مضاجع النساء في كل كتاب. هل ستنسى ذلك المطارد الغريب، تطاله يـد الثورة. هل نسيت الثورة ؟ جريرتك الوحيدة المغفورة. الثورة أيها المخبول. تلك الندبة الخضراء الداكنة على صدغك الأيسر. ندبتك التي باهيتَ بها الفصول، لم يبق جندبٌ في غابة ولا قوقعة في خليج إلا حدثته عن قصة تلك الندبة، كانت اللعبة تسعفك في ابتكار حكاية وأحداث مختلفة في كل مـرة. لساعي البريد قلتَ أنك كنت نائماً عندما باغتك العدّو بمدية مسمومة. لضفادع الجدول حكيتََ عن لغمٍ انفجر بك فيما كنتَ تعتقده كمأة في صحراء المنفي. وفي إحدى الندوات الانتخابية (عتدما اقترحتََ نفسكَ لعضوية الجمعية الوطنية لغسل الموتى) حدثتَ منتخبيك عن الأقبية المجهولة وقسوة الزنازن وصلافة الجند وسلك الكهرباء اللحوح كلما بالغتََ في السخرية من جلاديك. هل ستنسى كل ذلك، الثورة أيها المختال. تـذكرُ ! أيامَ كنتَ في خطابك الواثق والكرة الأرضية من جملة أطيانك الفلسفية. تذكرُ ! عندما تسلل الوهنُ إلى مخيلتك، وأوشكَ كيانك على الانهيار والتكشّف. تذكرُ ! يومها غبتَ عنا لبعض الوقت، ثم عدتَ في كامل تألقك. تهيأنا لكي نسألك "أين كنت يا صاحب الندبة؟" حيث سيكون جوابك جاهزاً "يا لها من تجربة" وقبل أن تواصل سرَد أساطيرك عن تلك الندبة الداكنة في صدغك الأيسر، سيتقافز الأصدقاء "لقد ذهب لينال غسيلاً ثورياً" ليس لك أن تنسى، ففي جنوب الليل تكمن ذاكرة الكوابيس. كنت تقول في لحظات تجليك "هناك يتم تقليم الأظافر التي تربيها رفاهية المدن وترف الكلام"، لكن بعد قليل ستبدأ أدرانُ الترف تكسوك مجدداً، ثم لن يجدي معك غسيل الجهات كلها. وتلك الندبة الخضراء الداكنة التي نسجتَ حولها البطولات، سوف تفتك بك مثل الوقت. ففي غفلةٍ من أساطيرك، كانت صبية شغوفة بالخرافة، تجمعها مع أمك الكفيفة إحدى الأماسي الشتوية، وكانت النساء ليلتها يجتمعن في سهرة الكستناء المشوية التي يلتقطها الأطفال من أطراف الغابة. أحياناً كانت النساء يصادفن سنجاباً متكوماً في سلة الكستناء رغبة في دفء الجمر المتأجج وسهرة القصص الخرافية التي تتبادلها النسوة ليستمتعن بتصديقها. بغتة، اعتدلتْ تلك الصبية وهي تطرح سؤالها الساذج "من أين لإبنك تلك الندبة الزبرجدية المغرية التي لا تكفّ عن إغواء الفتيات بغموضها الساحر؟" فانتابتْ الأم الكفيفة قهقهة خافتة، وتلفتت كأنها ترى وجوهَ النسوة من حولها، وكمن يفخر بولدٍ يمتلك جاذبية تأسر الفتيات إلى هذا الحد "أحقاً يفعل ذلك؟" لم تكن تريد جواباً. ربما أرادت فقط أن تستفزّ غيظ الأمهات الأخريات بتفرد ابنها الفاتن. وانداحتْ قائلة "أنا التي منحته تلك الندبة، لقد ولدته بها" صاحتْ الصبية وهي تدير رأسها بسرعة في وجوه الفتيات اللواتي صادف وجودهن في تلك اللحظة "أحقاً فعلتِ ذلك ؟" اعتدلتْ الأم لكي تلامسَ بحواسها الغامضة مشاعر الحشد النسائي الذي بدأ يضطرب لأسباب مختلفة "أجل، وأذكر أن جدتي كانت تسخر بعد ولادته، زاعمة أنه ما كان عليّ أن أتوحمَ ببيضة الأفعى" انتشرتْ القصةُ الحقيقية لتلك الندبة الخضراء الداكنة في صدغك الأيسر.
وبعدها لم نعد نسمع منك تلك الخرافة.

تَـذْكرُ ؟!. *

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى