نقد الأمل

الطبعة الأولى 1995
دار الكنوز - بيروت
الغلاف طالب الداوود
عدد الصفحات 147
الطبعة الثانية ‏1998‏
دار الكنوز - بيروت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 208

 

سحقا للقصب الذي صار نايا

لا تصغ للناي طويلا
سوف يجرحك وينال منك
وكلما كان حزنك عميقا
طاب للناي أن يتوغل بشفرته نحو الشغاف
شيئ من حرير الشرايين يفري غزالة الدم
شيئ من ليل الأعماق, من بهجة الجمر وهي تتصاعد
في ريش الجناح الهائم البعيد
الغائم الوحيد حفيف خفيف
شفيف
يمتد بين الصوت والصدى
يسوق كوكبة الغزلان تطفر من شهقة القلب
وزهرة الغرائز
شيئ يطالك
وأنت في غيبوبة القصب
شيئ من العجب
ليست الموسيقى أثير يلامس أجسامنا عبر حاسة السمع فحسب إنها ضرب من الخلايا الحية تقتحم الانسان في حواسه كلها وبالنسبة للناي فإن الأمر سيبدو أكثر رهافة وسطوة في آن يبدأ الناي من أكثر الأدوات بدائية وأكثرها بساطة على الاطلاق ثمة قصبة يابسة منسية في طرف الحقل ما إن تصادفها ريح شريدة ذات مساء موحش حتى ينساب النحيب فيخال لك أن كبدا تبدأ في الاعلان عن مكبوتها هل الناي مبعوث الكبد المفدوح يجوز لك أن تسأل ويطيب للناي أن يغفل عن سؤالك

قطعة القصب المهملة من أين لها كل هذا الشجن ناعم الملمس
بعقده المتباعدة المتجاورة المندفقة
المتدافعة مثل قلادة في عنق امرأة نائمة
يتلاعب بها الحلم صقيل
الخصر والكتفين وما عليك إلا أن تختبر شفير القصبة المكسورة
لتعرف شفرة النصل وشفافية الحزن معا لا تصدق أن المصادفات وحدها المتحكمة في لقاء الريح بالقصب
فالحقل لم يكن بريئا وهو يترك تلك القصبة في هامش المشهد
والريح الشريدة ليست سوى الزفير المكتوم
يشهق مثل تشبث الغريق بالخشبة القصبة هي خشبة النجاة المنذورة للكبد
المفدوح خشبة هي الصليب في الوقت وفي تدفق الناي تقدر أن ترى الروح وتلمسها
فيما تصير جسدا مبذولا لتفجرات الأعماق ناهضة نحو الأقاصي
روح ذائبة في هواء يخرج من داخل عميق إلى دواخل لا تحصى, وجسد يشف عن النيران كلها
ليس بين الجسد والروح سوى هذه القصبة الوالهة المشحونة بفضاء شاغر
مثل غرف القلب وهو ينتظر عشيقة في الفقد
لك أن تدرك حدود الحنجرة من حدود الصوت فيما تصغي
وفيما تصغي
لك أيضا أن ترى إلى الصوت
تراه جرحا يتكئ على النصل
كيف تسنى للحقل أن ينسل أحفادا على هذه الدرجة من الحزن والشهوة
كيف تسنى له أن يصوغ مخلوقات فاتنة كهذه ليهملها وينساها
مخلوقات, ما إن يصادفها الغريب في الليل, حتى يألف لها ويأنس لنحيبها وهي تتفجع مثل الثاكل. لا يفهم الناي سوى الغريب النائي
وفي الليل لا يعود للقصب فسحة للنوم, لن يعرف الهجعة ولن تطاله سوى أصابع الروح التي طالت بها الحبسة
فأياك
أن تصغي للناي و أنت وحدك
سوف تنال العذاب كله
العذاب إلى آخره لقد صادفه الغريب فأصابته الوحشة
وصادفه العشيق فتفطر قلبه لفرط البكاء ورافقته المفؤودة دون أن ترأف بها كائنات الليل
أياك .. أياك
أن يستفرد بك القصب المحزون
يفتك بك
ويفنيك
أياك .. أياك
لا تأمن للقصب وهو يشحذ كبده على شغافك
كمن يمنح النصل فرصته الوحيدة أمام جرح وحيد
أياك .. أياك

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى