النهروان

ما أجملك أيها الذئب

(جائعٌ وتتعفف عن الجثث)
قاسم حداد

نص الصورة / صورة النص

(نص مشترك مع المصور
الفوتغرافي صالح العزاز)

ثمة أحلام قلقة مثل أصحابها.
وكلما كان الحلم في جنون صار أكثر جمالاً وقدوة للمغامرة. ثمة مرح كثيف لا يذهب إلى النوم وحيداً، ففي النوم من الثروات ما لا يحصى، وليس عليك إلا أن تطلق أسر تلك الكائنات وترقب بحثها عن قرائن الطريق وأقران الروح. ثمة أرواح كثيرة تطير مثل الحمام، لها الهديل، لها الريح والغناء، ولها أن تمعن في سديم التكوين، كمن يعيد الصورة على هواه، لعل في الكلام القليل ما يكفي من الدلالة.

ثمة أصدقاء يلتقون كثيراً لأول مرة. فما إن فتح لي صاحب الصورة خزائنه، حتى طار بي الجنون نحو الأقاصي، ففي صالح العزاز شيء يغري بالذهاب نحو جمالات التهلكة. ثمة لقاءات خصبة وخطيرة. ولسنا ممن يحلم بالنجاة. ثمة مواعيد لم ترتب من قبل، هندستها لنا المصادفات، فلذّ لنا ذلك، وشغفت بها شهوة الاكتشاف.

نحلم أن يضيء الخطر خطواتنا، ويباركنا بالخصب شهيق الحوار الحميم بين الماء والترائب. مثل بحيرات في أدغال العطش، حيث تنمو في ضفافها أشجار كثيرة، تثمر أزهاراً طازجة، تتلاقى بفعل جاذبية الحياة، تتكاثر مثل الطيور، وتقول لفراشات ملونة وفزعة: تعالي، هذي نارك الحنونة، تصير لك برداً وتصير صوراً مأخوذة بزرقة الأفق. وفي الظلال، ثمة عناصر كثيرة ترغب في النمو، حكايات مفتوحة، تتصاعد مثل أغصان ترسم الشجرة وتأخذ الغابة نحو الأنهار.

شعرت بالفرح الأزرق يجتاحني، وأنا أسمع خيول البهجة تصهل بأحلامي الصغيرة، عندما نهضت فكرة هذه التجربة من سريرها. للنص فتنة ليست من الخطيئة، وللصورة من الفضح الجميل ما يكفي لترميم الروح وصقل جوهرة الجسد.

حين رأيت صوري - لحظاتي الزمنية تكاد تجهش بالبكاء بين يدي قاسم حداد، شعرت أن نبتة الصحراء تشق ضفافاً وتطلق ضحكة الحياة في أفق من المرح الفاتن. يجوز للنص أن يحتفي بالصور، يجوز له أيضاً أن يمتحن الكلمة في حضرة الصمت الفصيح، ويجوز له أيضاً وأيضاً أن يزعم أنه الحضن الحاني كأنه رأفة الأم.

كانت لحظة خيالية ولدت على وقع أقدام لم تعرف طبيعة النوم في شوارع مدينة "مراكش" القديمة في المغرب. قال لي : نحن أيضاً لدينا فضاء من حوار الأعماق يمكن أن نصغي إليه، لئلا يأخذنا سهو عن البهجة. قلت له: ولدينا عطش ينبغي أن نؤججه بمرايا الأفق الأزرق.
ومن الخيال إلى الهمس الحميم. من مقهى إلى آخر، من حقيبة إلى أخرى. من مطار إلى مطار، من جسد إلى آخر. تيسر لنا الوقت لأن نضع أقدامنا في طريق جديدة على كلينا تترافق فيها الصورة والنص. الصورة، لأن متعة البصر ظلت مصادرة في مشهد التعبير العربي. والنص، لأنه أكثر عناصر التعبير اتصالا بالاحتمالات، وحمّال الأوجه اللامتناهية. قلنا: لنضع النار في المواقد وننصت إلى الصدى.

نحن الآن في هودج الحلم، في التجربة التي نحب، في المسافة المتاحة بين الأفق والزرقة، حيث الصورة لذة جسدية موغلة في المعنى، والنص متعة روحية مشغوفة بالتحولات. نحن الآن في لحظة ممزوجة بالزبرجد والزبيب. تضع الصورة ذهبها في زجاجة العين فتبغت الشرفة والمشهد، وتضع الكلمة زيتها الزهيد، فتزيد القنديل توهجاً وكشفاً. نحن الآن نجلو اللحظات الجميلة، نذهب إلى البياض الممزوج بالزعفران. ونبالغ في زرقة مستحيلة، طاب لنا أن نفتح عليها شرفة المخيلة، لئلا يقال أن ثمة صورة غلبت النص، أو قلباً انتصر على الحب.

* نص المقدمة، التي لم تنشر، في الكتاب المشترك (المستحيل الأزرق)ـ والمكتوبة بالاشتراك مع الفنان السعودي الراحل صالح العزاز.

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى