لقاءات

التخلف عندنا يتضاعف بصورة لا مثيل لها

جريدة السياسة الجديدة - الرباط
عبداللطيف الجعفر

س / صدر لكم بمعية الشعراء محمد بنيس وأدونيس وأمين صالح مجموعة من البيانات كلحظات إنسانية وجمالية للحوار بينكم، الآن لم تعد هناك بيانات. هل انتهى عهد البيانات؟ وهل هناك شكل من أشكال التحاور بينكم حاليا؟ وعلى أي مستوى؟

لكل نص من نصوص تلك البيانات لحظات مختلفة و متفاوتة في الطبيعة و التجربة، وإن كانت جميعها تصدر عن رغبة في التعبير عن رؤية لمفهوم الكتابة و الحياة معا. وعندما برقت فكرة إصدار البيانات في كتاب كانت الفكرة في حد ذاتها تشي بذلك التبلور العميق الذي صقلته تجربة شاملة هيأت للحظة حميمة لخلق مناخ نصي مشترك من شأنه أن يشير إلى الحوار العميق بين تلك التجارب التي تأتي من مسافات مختلفة زمنيا و رؤيويا، غير أنها تمتزج معاً في روح واحد يتصل بالمستقبل بوصفه الحلم الغامض الذي يذهب إليه الشاعر و المبدع.

إذا رأينا في رفقة تلك البيانات حواراً إبداعيا وإنسانيا معاً، فإن مشروع ذلك الإصدار قد اتصل ببعد مهم من أبعاد الكتابة في حياتنا. و القول الآن بأنه لم تهد هناك بيانات، فربما يمكن النظر إلى مفهوم (البيان) باعتباره شكل من أشكال البوح النظري في شكل حوار شعري (والعكس يمكن أن يكون صحيحاً أحيانا). فمن المحتمل أن تكون ثمة أشكال مختلفة وجديدة من الكتابة يمكن أن تعبر (بيانياً) بصورة أو بأخرى عما يريده الشاعر في هذه المرحلة. خصوصا وأننا قد اتفقنا منذ تلك البيانات أنه يتوجب علينا أن نواصل إعادة النظر في الرؤية وفي النص أيضاً.

س / في آخر بيانكم قلتم (ينبغي إعادة النظر في هذه الرؤية). ما الذي تغير في رؤيتكم للكتابة الشعرية، منذ صدور البيان المذكور إلى حدود الآن؟

ربما تكون أشياء كثيرة قد تغيرت على صعيد الحساسية التي تصقلها التجربة. ومن الممكن أيضاً أن ما تغير في رؤيتنا للكتابة أكثر عمقاً (وحزناً أيضاً) مما يتوهم البعض أنه تغير في الحياة. المشكلة بالنسبة للشاعر أن رؤيته (بوصفها ترى إلى الحياة في الجوهر) تظل متقدمة بصورة تجعل المشهد الراهن (واقعياً) من الفجيعة بحيث لا يمكن الركون إلى مشاريع تصديق ما يحدث باعتباره من نتائج الجهود الثقافية، وهي النظرة التي تريد دائماً وضع المبدع في مقام المهزوم والعاجز والفاشل، باعتباره صانع أحلام (لا أكثر). إنني لا أميل إلى قياس ما تغير في رؤية الشاعر نسبة بما (تغير) في الواقع. فإذا قصر الواقع عن مجاراة أحلام الشاعر ومضاهاة رويته، فهذا ليس خطيئة الشاعر ولكنه إصرار الواقع على الثبات في المكان محركا أطرافه في الهواء، متوهما أنه يتحرك.

لكن يمكن الكلام أيضاً عما يتغير في رؤيتنا للكتابة عموماً و الشعرية خصوصاً. ففي عالم شاسع يزخر بحركة باهرة في مجال وسائل الاتصال، لابد لنا من التأمل العميق لدراسة واستيعاب ما يحدث في عمق هذا المشهد الهائل. ي اعتقادي أن ثمة انتقالة معرفية يتوجب على المبدع العربي دراستها واستيعابها من أجل اقتحامها بأدوات الموهبة و الوعي و المعرفة أيضا، ولا ينبغي أبدا محاول تفادي ما يحدث في هذا المجال. فمن المؤكد أن الكتبة الأدبية لن تكون هي ذاتها في مستقبل القرن القادم. إن مثل هذه المسائل تستحوذ على اهتماماتي كثيراً.

س / لاشك أنكم تتابعون عن كثب واقع المشهد الشعري بالمغرب، هل هناك فروق واضحة بين الحساسيات الشعرية التي تنمو في المشرق ونظيراتها في المغرب على مستوى الرؤية للعالم؟

في مثل هذا العصر، سوف يكون الكلام عن اختلافات جوهرية بين الشاعر في المغرب والشاعر في المشرق ضرباً من المبالغات الصحافية ليس أكثر. ويكفينا ذهاباً في مثل هذه الأوهام. وهي أوهام قد ساهمت بما يكفي من الكوارث، لكونها كرست ما تحاوله (مستفيدة منه) الأنظمة السياسية العربية. إنني لا أفهم كيف يمكن أن تكون رؤية الشاعر في المغرب مختلفة عن رؤيته في البحرين أو العراق أو لبنان، في حين أنني أشعر في اللحظات العميقة تلاقياً باهراً بين رؤيتي وبين رؤية شاعر في أطراف الكرة الأرضية، من دون أن يكون بيني وبينه أي اتصال مباشر أو مشتركات تاريخية وثقافية. أعتقد أنه من الأفضل الكفّ عن مواصلة الكلام عن الأوهام.

س / يمر العالم العربي في السنوات الأخيرة شأنه شأن باقي دول المعمورة بهزات ومتغيرات كبيرة. كيف يرصد الشعر هذه المتغيرات؟

من وجهة نظري أن ما يحدث في العالم العربي هو تحولات لونية بفعل الطقس العام، وليس بوسعي أن أسمي ذلك تغيراً جوهراً في الطبيعة و البنية العربية. وهذا هو المشكل الحضاري الذي يتوجب علينا التيقظ أمامه، لكي لا نخضع لوهم التغير الذي يجري الكلام عليه في السنوات الأخيرة. فليس من العدل الكلام عن متغيرات العالم في الغرب (سور برلين/ الانهيار الاشتراكي/ ثورة المعلومات والإنترنت..كأمثلة) ونزعم أن تغيرات تحدث في العالم العربي. الأمر ليس بهذا الشكل على الإطلاق. ففي العالم العربي ما تزال الأمور في ثبات قاتل وخطير أيضاً. فأنت لا تستطيع أن تسمي التقهقر (تغيراً). الحضارة ليست كذلك أبداً. إن درجة التخلف عندنا تتضاعف بصورة لا مثيل لها.

س / كيف تتوقع وظيفة و مآل الشعر، بعد سنة 2000 ؟

ليس للشعر وظيفة في أي زمان. الشعر هو كذلك فحسب.. وأبداً.***

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى