لقاءات

أنقل خطواتي بمزيج من الخوف و الذعر

نصف الدنيا - القاهرة
شريف الشافعي

س / وحشية الصورة، مفردات التصحر، العودة للأصول..، هل ذلك إيذان بالوصول إلى النهايات، تلك التي هي مرآة حجرية للبدايات ؟ أم أن الذات تلك التي تود التصالح مع ذاتها تلجأ عادة إلى التعري والانخطاف من كابوسية الواقع بآليته وقوانينه؟

# لا يذهب الشاعر إلى الأفق الشعري إلا باحثاً، قلقاً، شكاكاً. وهذا ما سوف يميز راهننا لمسافة طويلة من الوقت و التجربة الفنية. والمفردات التي تشير إليها، ربما كانت واحدة من الملامح التي يمكن مصادفتها في بعض التجارب الشعرية التي تتحرك في هذا الواقع ذاهبة نحو الأفق. والأفق لا نهايات له. والعودة إلى الأصول، التي تشير إليها، ليست سوى جانباً من الصورة وليست المشهد كاملاً أو واضحاً. ولا يعود إلى الماضي سوى شخص فرغت دواخله من ذاته الخاصة، وقصرت مخيلته عن قدرة التحديق في المستقبل مكتظاً بشهوة التقدم. كما لو أن هذا الشخص لم يعد مؤمناً بذاته، فيلجأ إلى الخارج، والأصول هي ذخيرة قديمة لا تسعف شاعراً إذا لم يكن مكتنزاً بالتجربة الذاتية. وأظن أن التصالح مع الذات هي واحدة من مشكلات المثقف العربي عموماً. لكن الخضوع لآلية الواقع الكابوسي وقوانينه ليس حلاً إلا لمن يتوهم أن لا جدوى من مجابهة الواقع واختراقه بصرامة المخيلة الشعرية. وأخشى أن الشاعر الآن لا يرى في الواقع غير الكوابيس، ويضعف أمامها، فلا يجد غير خيار التصالح معها.

س / الشاعر الذي مشى مخفوراً بالوعول، ورصد الملكات في عزلتنا..، بأي لون للخطوات وبأي إيقاع يتجه إلى (قبر قاسم)؟! وهل للموت معنى غير تحقق الحياة على نحو آخر يروق للشاعر؟

# (قبر قاسم) هو توغل في تجربة الحياة والنص معاً. إنني لا أرى في الكتابة سوى طاقتها الغامضة على منحي قدرة المجابهات المتواصلة في هذه الحياة. ورغم ذلك فإنني لا أزال أنقل خطواتي بمزيج من الخوف والذعر المضاعفين، فالكتابة، كلما تقدم الشاعر في الطريق، تبدو أكثر خطورة و مسؤولية. لقد ازدادت مشاعر الشك في قدرة النص على التعبير الشخص. ويبدو إن هذا هو الإيقاع الذي يتوجب على الكتابة الجديدة أن تبتكره و تقترحه على الآخر بطاقة متبلورة من تشغيل الخيال و الجمال.

س / إيقاع القصيدة النثرية، نراه أحياناً أكثر طنطنة وجلجلة من إيقاع الخليل المنتظمة. فلماذا- ترى - هذه الجلبة والصخب حول حقيقة (قصيدة النثر)، وهل هي شعر أم لا؟!

# مرة أخرى سأضطر إلى التعبير عن عدم ارتياحي لمثل هذه الإطلاقات فيما يتصل بالتجارب الشعرية. وخصوصاً فيما يتعلق بما اصطلح على تسميته (قصيدة النثر). ولعل لهجة السؤال المتهكمة لا تشي بالجدية التي تغريني بالاستجابة. لابد لنا أن نتمرن على تناول أشياء حياتنا، ومن بينها أشياء الكتابة، بقدر لازم من الجدية، فالخفّة التي تروجها الصفحات الثقافية العربية وهي تطلق الكلام على التجارب الجديدة لا يجعلني أثق بأننا مؤهلين للمستقبل على أي صعيد. يتوجب علينا احترام جميع الاجتهادات الأدبية مهما كانت وجهة نظرنا حولها، و إذا اختلفنا على مسألة من هذه المسائل، فليكن هذا بقدر كبير من التحضر والدقة، لئلا نبدو كمن يتقمص دور الجلاد وهو يقف أمام الأطفال لحظة الولادة.

س / ثنائيات هذا العصر كثرت: زمن الرواية أم زمن الشعر، التفعيلة أم النثر، القصيدة اللقطة أم القصيدة الملحمة.. الخ. فأين الثلاثيات والرباعيات والخماسيات، وأين التعددية التي بها يمكن للواقع الثقافي النجاة من مآزقه؟

# هذا سؤال ينفي موقف السؤال السابق ولهجته وطبيعته النفسية. تجاوز الثنائية إلى التعددية هو ما تذهب إليه التجارب الجديدة من اقتراحات إبداعية. فنحن في لحظة حضارية لا تقف عند خيارين لا ثالث لهما ولا بديل. وعلي الجميع أن يتميز بالصدر الرحب وهي يتعامل مع الحياة. وأتمنى على خطواتنا نحو المستقبل أن ترى في الواقع والأفق هذا التعدد اللانهائي من الخيارات التي علينا أن نساهم في تأمل احتمالاتها.***

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى