لقاءات

لست في حلبة سباق مع أحد

جريدة الزمان - لندن
عدنان حسين أحمد

س / في ديوانك الأول (البشارة) ثمة انحياز واضح يسيّد المضمون على حساب الشكل الذي تعوّل عليه كثيراً في تجاربك اللاحقة، كيف تلمست الطريق صوب الإبداع الذي يكمن في شكل القول قبل أن يتجسد في الثيمة المطروقة، أو غير المطروقة؟

* غالباً ما يكون الكتاب الأول للشاعر بمثابة محاولة التعرف على طريقة طرح الأسئلة على العالم، وهذا الأمر هو ما يمكن تسميته بالانجراف ناحية البحث، وإذا أحرز الشاعر شيئاً من النجاح في مجابهة اللحظة الشعرية الأولى بعينين مبهورتين بسطوع الضوء دفعة واحدة في غرفة بيضاء، سيكون مؤهلاً لاحقاً لأن يرى الأشياء بصورة أكثر وضوحاً وأشد إحساسا بالخطر الذي يقبل عليه، وهي التجربة التي تجعل من الكتاب الأول شهادة على رغبة في الذهاب إلى الشعر بهوية الذات الغامضة. في البشارة كنت مأخوذاً بما بشبه غموض ما يحدث حولي من حركة الحياة التي كنت انهمكت بها مبكراً كمن تكلف بأن يعرف جميع الأشياء والنهوض بكل المهمات وإنجاز إصلاح العالم و تفادي كل الأجوبة.. كل ذلك دفعة واحدة. لذلك فإن المضمون الذي تشير إليه لم يكن سوى كل تلك الأمور متماهية في شبه مشروع شامل مشروع و كمستحيل في آن واحد. و لعل ما سيبقى دائماً في ما بعد هو هذا الحلم المشروع و المستحيل معاً، أما بقية التفاصيل بين حدود المضمون وحدود الشكل فإنها مسألة لا يحتاج إدراكها وتفادي تفاقمها سوى للدرجة من المعرفة و الموهبة التي يتوقف تحققها على وهم الشاعر وأحلام كل قارئ. فمن الطبيعي أن يدرك الشاعر سريعاً بأن الإبداع سوف يكمن دائماً في ابتكار الطريقة وليس في اجترار المضامين.

س /من يطلّع على ديوانيك اللاحقين (خروج رأس الحسين من المدن الخائنة) و(الدم الثاني) يكتشف بدايات التمرد على الشروط الفنية الصارمة لكتابة النص الشعري، ما حدود معاناتك الإبداعية وأنت تتململ للخروج النهائي حتى من التفعيلة في (قلب الحب) و(شظايا) الذين يؤشران بداياتك الجديدة والجادة في كتابة نص شعري مغاير للأفق السائد آنذاك؟

* في لحظة الإبداع ليس ثمة معانات بالمعنى المادي للكلمة، على العكس أعتقد أن هذه التجربة هي من الجمال والمتعة بحيث لا يمكن وصفها للآخرين. حتى التمرد والثورة ليس فيهما ما يجعل الأمر في صورة معاناة، ثمة التباس في التعبير، فالمعاناة ستكون دائماً خارج الكتابة و العملية الإبداعية، المعاناة هي هناك في الحياة التي ينهمك في المبدع كما لو أنه المقاتل الأعظم، ولكن حين يأتي وقت الكتابة سوف تبدأ الفراديس. لذلك أقترح أن يرى الشاعر إلى مهمته الإبداعية بوصفها اللذة المصفاة التي تنجو من معاناة الحياة السائرة، إنه هنا بمفرده مع الحبيبة الأجمل، أية معاناة يمكن ذكرها في مثل هذا الموقف؟

حتى ما تشير إليه من خروج وتمرد وغير ذلك، هو ما يحدث بمعزل عن القصد، أو بتعبير أدق إن ذلك يحدث فيما الشاعر يفعل شيئاً آخر. والحق أن إحساسي بما يكشفه النقاد والقراء من تجارب على صعيد النص هو إحساس المكتشف معهم، وبالرغم من كل الحوارات التي لا تكاد تهدأ مع الذات والعالم حول قضايا الفن والإبداع فإن منجزات النص يحدث في غفلة مني شخصياً، ومن المؤكد أن أجمل تلك المنجزات هي التي أكتشفها فيما بعد، وخصوصاً بمساعدة ما يكتب عن كتابتي.

لذلك سوف أشعر ببعض الارتباك وعدم الوثوق يف تعبير المعاناة الذي تشير إليه في سؤالك. من جهة أخرى فإنني لا أستطيع الاتفاق مع السؤال وهي يشير إلى بدايات (جديدة وجادة) في الكتب اللاحقة، فبالنسبة لي فقد كنت جاداً في كل نص كتبته وخالجني شعور أنني كنت جديداً هناك، و إلا فلا معنى للكتابة في الحياة.

س /يحتفي الشاعر قاسم حداد باللغة، ويعول عليها في كتابة النص الناجح، ويعتبرها الشرط الأول للولوج إلى متاهة الشعر السحرية. كيف تتعامل مع اللغة، وتفض مكنوناتها، وتفجر طاقاتها المخبئة في الجمل والمفردات والحروف، والأنساق الدلالية، والعلاقات الغامضة التي تنسج متن النص، لتفاجئ به القارئ وتقذفه في أتون الدهشة الآسرة؟

* ليس ثمة شاعر لا يحتفي باللغة، إنني لا أبتكر جديداً إذا فعلت ذلك أو جهرتُ به وأكدت عليه في غير مناسبة. إنها طبيعة الحياة التي وجدت نفسي من خلالها، ولكي أحسن التعبير عن ذاتي لابد لي من أن أجعل اللغة تتجاوز الدور المهين الذي يجري التعامل به دائماً وهو دور أداة التوصيل، اللغة بالنسبة للشاعر أكثر من مجرد (أداة) إنها طريقة حياة كاملة وواضحة المعالم ولا تقبل المقارنة بأية وسيلة أخرى في الحياة. بهذا المعنى يمكننا التعرف على ما تمنحه اللغة للشاعر، فبالقدر الذي تحب اللغة وتعشقها و تحترمها وتبالغ في تبجيلها، بقدر ما تبادلك هذه اللغة ذلك العشق والامتزاج و تمنحك الحب والعطاء وتتبادل معك أنخاب الجمال. وإذا صادف أنك كتبت نصاً جميلاً فالفضل سيعود دائماً إلى أن اللغة باتت تبادلك الحب وتبوح لك بأسرارها وجمالاتها التي بلا حدود. وكلما تحققت لك اللذة والمتعة والجمال أثناء الكتابة، سوف يحدث نفس الشيء للقارئ فيما بعد. لكن من المؤكد أنني لا أستطيع أن أفسر لك تفاصيل هذه العملية التي لا تحدث بنفس الطريقة في كل تجربة، إنني لا أزال أكتشف هذه العملية في كل مرة كما لو أنها المرة الأولى.

س /أكدت غير مرة بأن لديك ميلاً شديداً للإيقاع، بل وتعتبره أحياناً المكوّن الأساسي للنص الذي تكتبه، ما حدود الطاقة الإيقاعية الكامنة في نصوصك الجديدة، وكيف تفسر الجفاف الإيقاعي الذي تعاني منه القصائد الحديثة؟

* طوال تجربتي لم أتخيل الشعر بدون الموسيقى، إنها طبيعة أشياء العالم والحياة. طوال التاريخ كان الشعر قرين الموسيقى. والتجربة علمتني بأن ثمة مسافة جوهرية بين مفهوم الموسيقى في الشعر وبين مفهوم الإيقاع الذي اقترحته بحور الخليل بن أحمد على الشعر العربي، وهنا تكمن المنعطفات العظيمة التي يتوجب علينا الاعتراف بمشروعيتها في الكتابة عموماً. ويبقى أيضاً أن نتهيأ جذرياً للتعرف على مفهوم جديدة للشعر يختلف عن مفاهيمنا السابقة عن الشعر، وهذا يستدعي تمريناً روحياً على قبول المقترحات التي تقدمها لنا التجارب المبدعة في الشعر العربي الحديث، أقول نقبلها بوصفها معطيات عميقة الوعي والحيوية التي يحتاجها تحولنا الحضاري بعد كل تلك القرون التي وضعت الشعر في القالب ونسيته هناك. ولعل في التحول الجوهري لمفهوم الموسيقى في الشعر (وبالتالي في الكتابة العربية عموماً) ما يجعلنا نشعر بضرورة وعي ما يحدث لنا وحولنا من متغيرات تفرضها طبيعة الحياة الإنسانية. ولكي نقترب أكثر من الجوهر التقني لمفهوم الموسيقى في الشعر العربي خصوصاً، يتوجب عدم نسيان حقيقة أن الأصل التقني للبحور و الأوزان التي استنبطها الخليل بن أحمد ووضعها لقياس النصوص الشعرية، هو أصول تنبع من اللغة العربية ذاتها، بمعنى أن الجزيئات الصوتية والإيقاعية للحروف والكلمات في اللغة هي أصل البنية التقنية التي قامت عليه فكرة البحور وقوانينها الفنية. وهذا ما يتوجب الرجوع إليه لإعادة الاعتبار للدور الجمالي للغة العربية، ومحاولة اكتشاف الصيغ الموسيقية الجديدة (في كل تجربة شعرية) المناسبة لزماننا ولتجربتنا الروحية. من هنا أعتقد بأن مهمات الشاعر الجديد ستكون أكثر متعة و جمال إذا تسنى له عدم الاستهانة بما تتيحه له اللغة العربية من إمكانات لا متناهية من حيث الخلق الموسيقي في النص. أكثر من هذا فبالنسبة لي على الأقل أعتقد دائماً بأن أية كتابة أحققها هي دائماً بناء قائم على مقترحات موسيقية بشكل من الأشكال، بمعنى أنني لا أستطيع أن أتخلى عن حساسيتي الموسيقية و أنا أكتب أية جملة وفي زي سياق كانت.

الحياة كلها بالنسبة لي ضرب من الموسيقى، ولا أستطيع العمل أو النوم أو الحلم أو الكتابة إلا بحس موسيقي يصل أحياناً إلى درجة الولع.

س /في ديوانك (النهروان) ليست هناك هندسة بصرية صارمة تحدد شكل النص الشعري، بل هناك رؤيا باطنية عميقة تقترح هذا الشكل سلفاً، هل لك أن تسلط لنا بعض الضوء على تجليات الشكل التي تفضي بك إلى برازخ النشوة واللذة والافتتان، مروراً بتمظهرات الفكرة الناجمة عن طريقة القول الجديدة؟

* لا يصبح شكل النص متجلياً إلا في لحظة الانتهاء من الكتابة. فالشكل لا يأتي بشكل مسبق، ولا هو واضح المعالم في كل تجربة أثناء الكتابة، ففي كل لحظة يمكن أن يكون الشكل شكلاً مختلفاً عن نفسه. ثمة سياق روحي غامض يجب الوثوق به بالنسبة للشاعر، ولا تجوز الاستهانة بقدرة الشاعر على الابتكار في كل نص وفي كل تجربة. الشعراء هم الذين يكتبون نصوصهم كما لو أن اللغة هي ملكيتهم الخاصة لا سلطة لأحد أو جهة أن تحول دون حرية المخيلة، والشكل هو من فعل هذه المخيلة بالدرجة الأولى، وظني أن ثمة خمول أو قصور أو تردد في معظمكم تجاربنا العربية فيما يتصل بالحريات اللامحدودة لفعل المخيلة، وهذا ما يجعل تجربة الشكل في الكتابة العربية بطيئة التحول وتأتي متأخرة عن أثر الخيال الشعري.

ليس ثمة طريقة قول جديدة، يمكن القول فقط أن هناك دائماً طريقة قول جميلة قابلة للحدوث في كل العصور والتجارب والأمكنة. والجميل يظل جديداً باستمرار.

س /في كتابك النقدي القيم (ليس بهذا الشكل ولا بشكل آخر) تكاد تنسف (المضمون) الذي رسخته الثقافة العربية على مر العصور، وتحاول أن تتطرف في انتصارك (للشكل)، ولا غضاضة في ذلك أو حرج أو مجازفة، لكنك تصرّح دائماً بأنك (لا تحتمل كتابة النص في ذات الشكل مرتين) ما صحة هذا التصريح، ألا تجد فيه نوعاً من المبالغة؟

* هل تعتقد بأن هذا الكتاب هو كتاب نقدي حقاً ؟
لم أكتبه بهذه المثابة، إضافة إلى أنني لست ناقداً. وتبعاً لذلك سوف تسمح لي بأن أختلف معك على تعبير (تكاد تنسف المضمون الذي رسخته الثقافة العربية...)

لا أميل إلى مثل هذه الاطلاقات الملتبسة. وظني أن ثمة مسافة يتوجب أن ندركها بين العمل الإبداعي الذي تحدث فيه الأشياء بآلية موغلة في الغموض و العفوية وأحب أن أقول البدائية أيضاً، وبين العمل النقدي الناشئ عن التحليل و الدرس وهذا يحدث بآلية واعية ومقصودة متصلة بالذهن، مما يميزها عن عمل القلب والعاطفة المتأججة التي تحقق الأشياء وهي تعمل أشياء غيرها.

لست متطرفاً في انتصاري للشكل، على العكس أعتقد بأن هذا هو الموقف الطبيعي للشاعر، فالشعر و الإبداع يأتيان بما يقترحه الشاعر من شكل جميل. بل أنني أخشى كثيراً من كوني عاجزاً من مجاراة ما تقترحه عليّ المخيلة أثناء الكتابة، وهي مخيلة غالباً ما تكون أكثر جرأة من جلافة الذهن و ميل الإنسان طبيعياً للنوم الصامت، وهذا الضرب من النوم أسميه موتاً أبيض، أي أنه خالٍ من المخيلة النشيطة.
لذلك صادف أن قلت ذات نص عن الجسد الذي يهوي فتنهره الروح.

س /يميل الشاعر قاسم حداد إلى كتابة (النصوص المشتركة) مع قصاصين وفنانين تشكيليين كما في (الجواشن) و (أخبار مجنون ليلى) و (النهروان) أيضاً. ما هي أبرز المقتربات الفنية والروحية التي تمهد لتجاوز الأنواع الأدبية المستقرة إلى حد ما، وما الذي قبضت عليه في (الجواشن) تحديداً من خلال هذه التجربة المشتركة؟

* النزوع نحو دخول في تجارب إبداعية مشتركة هو اتصالٌ طبيعي بميلي إلى تفادي التخوم بين أشكال التعبير الأدبي، ومن جهة أخرى يشكل هذا النزوع رغبة عميقة لتجربة التقاطع مع مبدعين في أشكال تعبيرية مختلفة. وقد تحققت في هذه التجارب درجات متفاوتة من المتعة و المكتشفات و النجاح.

وفي تجربة (الجواشن) خصوصاً، وهي واحدة من أجمل التجارب التي عشتها مع الصديق أمين صالح، تحققت لنا درجات متقدمة من الحرية الجميلة، ومنحت كل منا طاقة إضافية في أدوات و آليات التعبير، بدت أكثر تشويقاً و تألقاً من السرد القصصي الذي جاء منه أمين صالح و من القصيدة الشعرية التي جئت منها. لقد تمكنا من المساهمة في اقتراح تجربة تعبيرية قابلة للتأمل والمتعة و الحرية.

س /في ( أخبار مجنون ليلى) اشتط بك الخيال حد الشطح، ولم تفد من أخبار الرواة قطعاً، بل رحت تبحث عن الأخبار والمشاهد المحذوفة، أو المسكوت عنها، أو المغيبة عن قصد، أو غير قصد. هل نستطيع القول أنك كتبت عن المجنون الساكن في أعماقك، وهل رسم العزاوي (مجنونه) الذي لا يتقاطع مع (مجنونك) الهائم في عتمة الروح؟

* في هذا النص كنت أصدر عن مجنوني الخاص، أو بالأصح جنوني الخاص. ولعل أجمل ما في هذه التجربة أنها منحتني الحرية الكاملة في صوغ ما ينتاب الشاعر لحظة العشق، بمعزل عن النص الأول. لم تكن سيرة قيس وليلى تعنيني بالدرجة الأولى، فربما كانت تلك السيرة ذريعة رمزية لسرد ذاتي وهي تتصاعد في اللهب المتأجج في روحي. فالحب هو فضيحة العاشق، وإذا كان العاشق شاعراً فسوف تتضاعف جمالات هذه الفضيحة لتنال شغاف ما لا يحصى من العشاق المعاصرين الذي ظلوا يكبتون ذواتهم لتفادي تفجر المشاعر و أكثرها جمالاً. لقد منحت العاشق المعاصر حريته الكاملة في قول ما لا ينقال في سجن الواقع المتخلف. أزعم أنني ذهبت إلى كسر قفص الأخلاق السائدة بوصفها قانون المصادرة الرسمي ضد الحب. وأظن أن ضياء العزاوي ذهب، على طريقته للجهة ذاتها التي تحتدم في تجربته الإنسانية. وسوف تلاحظ أن العزاوي اشتغل بمهارة فائقة لإطلاق ألوانه الحارة الصريحة من أجل تأججي النيران الفاتنة لكي تكون الفضيحة على آخرها. ففي مثل هذا العمل، توجب على كل منا الذهاب إلى حريته بالأدوات و العناصر و الآلية التعبيرية التي تسعف الروح و الجسد في آن واحد. و الفن سوف يكون جميلاً دائماً كلما كان حراً.

س /في قصائد (كلمات الليل اليافع) ثمة نفس شعري برقيّ مكثف، وتكوينات شعرية شديدة الإيجاز، واخزة النهاية، في حين أنك تجنح نحو القصيدة الطويلة في (قبر قاسم) و (النهروان) وسواهما من دواوينك المميزة، ما حدود الكثافة الشعرية في النصوص الطويلة، وهل يشكل طول القصيدة سبباً لتأثيثها بالزوائد التي تقلل من هيبة النص الشعري، وتنتهك عذريته؟

* ليس ثمة قانون يمكن الكلام عليه قبل الكتابة، فلا طول النص أو حجمه أو طبيعته اللغوية و الإشارية هو ما يشغلني في كل تجربة. إنني بالضبط أكتشف شكل التعبير أثناء (وغالباً بعد) التجربة. المسألة الفنية تأتي لاحقاً، بعد أن أجلس لقرائة النص بعد اندفاقته الأولى، حيث يحدث وقتها العمل على منح النص هويته. الفن دائماً يأتي بغتة بالنسبة للكاتب. وأعتقد أن أشكال التعبير بين النصوص ليست متصلة في صورة خيطية أو أفقية، المهم هو العمق الشعوري للتجربة.

وهذا ما يجعل التفاوت والاختلاف في أشكال التعبير من الحريات التي أتشبث بها بمعزل عن التخطيط المسبق. إنك تشعر برغبة في الذهاب إلى النوم لكنك لا تقدر على معرفة الأحلام التي تنتظرك هناك. فهناك فقط ستكون أكثر صدقاً مما تتخيل.

س /في أي من دواوينك الشعرية الصادرة حديثاً تعتقد أن الشاعر قاسم حداد قد كتب نصاً (غير مسبوق) ولا يشبه إلا خالقه ومبدعه، وإذا كنت تعتقد بأن ( الشعر نقيض العقل) فما هو رأيك بالقصائد الذهنية؟

* لستُ في حلبة سباق مع أحد أو مع تجربة أخرى. والكتابة ليست وسيلة للانتقال من محطة إلى أخرى. الكتابة هي الغاية دائماً. لا أعتمد الخرائط فيما أكتب. إنني أذهب في طرقات مجهولة بالنسبة لي في كل تجربة. أكتشف فيما بعد أنني حققت لذة لا أجدها في مكان آخر. الكتابة مثل الجنس، في كل مرة، إذا لم يكن الحب هناك، فلن تنال سوى خيبة الآلة وهي تؤدي وتذوي وتنتهي. فعل الكتابة مثل الحب، لا تذوي ولا تنتهي. لأنهما (الكتابة والحب) لا يستهدفان غير ذاتهما. من هذه الشرفة أنظر إلى علاقتي الكتابة، حيث لا أريد أن أشبه أحداً سواي، ولا أعود (أشعر) بعقلي، ولكنني (أفكر) بقلبي، القلب الذي لا يخذل أبداً عندما يكون في الحب.

س /طالما أنك تؤمن بتراسل الفنون القولية وغير القولية فيما بينها، فلماذا لم تكتب نصاً روائياً حتى الآن، بالرغم من أننا نشمّ في قصائدك روائح (القص) والتشكيل، آخذين بنظر الاعتبار إعجابك بشعرية جويس و أمين صالح و غيرهما؟

* هذا سؤال يتأخر عن التجربة التي أقترحها منذ سنوات في ما أكتب. فلم تعد تخوم الأشكال تحول دون ما أنجزه من نصوص. ففي معظم النصوص التي اقترحتها تجربتي ثمة انزياح تعبيري يطمح إلى كافة الأشكال الفنية المألوفة ومن بين أهمها السرد الروائي. وإذا كان ذلك الانزياح مدركاً فنياً، فإنه ليس سوى بعض حلمي الذي أجد فيه الحرية التي تتجاوز التخوم دون أن تنفيها. إنني لا أزال أحلم بحرية، وهذا يكفي حتى الآن على الأقل. ***

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى