لقاءات

جهة الشعر على الانترنيت..
والتعارض مع التكنولوجيا وهم

حاورته : شهيرة أحمد
(أبوطبي)

علاوة على إسهامه المتميز والمعروف في الحركة الثقافية العربية وحضوره الشعري المهم يقدم الشاعر البحريني قاسم حداد خدمة للثقافة والمثقفين العرب عبر الموقع الشخصي الذي وضعه على شبكة الانترنيت وأدخل فيه معلومات كثيرة عن كل ما يتعلق بالشعر العربي شعراء ونصوصاً وحوارات ودراسات نقدية وكتباً ومجلات، وهو بهذا الفعل يؤكد من جديد على الدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقف العربي، والإيجابية التي يجب أن يتميز بها بعيداً عن دعاوى تراجع الثقافة وعجزها عن التأثير في المجتمع.

يقوم قاسم حداد في هذا الموقع بجهد فردي يستغرق الكثير من وقته وجهده، ويتفانى في هذا العمل الذي يستحق كل دعم ومساندة في ظل مرحلة ترفع فيها الغالبية العظمى من المثقفين شعار اللامبالاة واللامسؤولية تاركين المركب تغرق بما فيها ومن فيها. في هذا الحوار يتحدث قاسم عن تجربته مع الانترنيت وما يتضمنه موقعه من المعلومات وعلاقة المثقف بهذه التقنية الجديدة وجذور الموقف الرافض لها وغيرها من القضايا.

وهنا نصه :

* أسست موقعاً مهماً على الانترنيت للشعر العربي نود أن نطل عليه ونعرف الأسباب التي دفعتك لهذا التوجه لاسيما وأن الكثير من المثقفين العرب مازالوا على علاقة سيئة بالكمبيوتر والتكنولوجيا ويرونها تتعارض مع الكتابة الإبداعية ؟

تأسست علاقتي مع الكمبيوتر مبكراً (العام 1985) وبعد تركي للعمل في مجلة " كلمات " بسبب وصول تجربتها إلى سقف تفرضه طبيعة المؤسسة التي تصدرها بدأت أبحث عن شكل ما لتوصيل التجربة الشعرية العربية وعرضها بشكل جميل.

وجاءت فكرة الانترنيت بمبادرة من الصديق عبيدلي عبيدلي في مؤسسة النديم المتخصصة في تقنية المعلومات حين عرض عليّ فتح موقع للشعر العربي على الانترنيت باسم " المتنبي " وبعد تردد اقترحت عليه اسم " جهة الشعر " ليكون مفتوحاً على المستقبل ولا يتحدد بتجربة محدودة إضافة إلى ميلي الطبيعي لتجربة الشعر الجديد وعدم التقيد بالشعر التقليدي.

واكتشفت عبر تعرفي على الانترنيت أنها تتميز بأمرين مهمين هما : حرية الاتصال ولا محدوديته والجماليات المتاحة لتقديم المادة الثقافية علاوة على كونها الوسيلة الأحدث للاتصال. وجدت في هذه الشبكة عناصر تلبي احتياجاتي لتقديم النص في شكل جديد إضافة إلى الحرية على الصعيد الشخصي إذ انفتح السقف إلى مدى غير محدود. من جماليات هذه الشبكة أنها تحتوي عدداً لا يقاس من الوسائل لتطوير وسائل العرض بكل أدوات الاتصال الإعلامي (صوت، صورة، حركة، جرافيك )، وأن كل ما يوجد في الخيال يمكن تحقيقه، تلك المغريات دفعتني لاكتساب خبرة جديدة وجميلة.

تقنيات وكتابة

أما بخصوص التعارض بين المنجزات التقنية والكتابة فهذا أحد الأوهام الشائعة التي كنا ضحية لها، بمعنى أن أي شيء إلكتروني أو تقني هو نقيض للكتابة، كثيرون يستبعدون أن يكتبوا نصوصهم على الكمبيوتر مباشرة لأنهم يصدرون من تراث كثيف عن حميمية الكتابة بالقلم التي ما زالت الكتابة تمتلكها بالتأكيد، لكن لا ينبغي أن ينفي هذا أن المبدع حين يكتشف أو يتعرف على وسيلة جديدة للتعبير عن نفسه يكتشف في الوقت ذاته الجماليات التي يتيحها الكمبيوتر للنص. أعتقد أن الكمبيوتر والانترنيت يعطيان جماليات إضافية للكتابة وهي عادة يمكن اكتسابها إلا أن الكاتب العربي معذور بأن يتردد في ذلك لكن حين يتعرف ما يتيحه هذا الجهاز يجد أنه أمام نص جديد، نص بصري، مشكلتنا أيضاً أن تراثنا سمعي، والعربي محروم أساساً من الثقافة البصرية مما يؤثر على علاقته بالفنون البصرية الأخرى ومن ضمنها شاشة الكمبيوتر. الآن هناك نصوص تكتب للانترنيت هذه الشبكة التي تضيف وسائل آلية وجديدة للكتابة. من خلال عملي على الانترنيت اكتشفت أن كتاب فان جوخ الذي أعمل عليه يمكن أن يتحقق في الشكل الجميل الذي أريده في هذه الشبكة، وككتاب لها أولاً. كنت حائراً تجاه أشياء كثيرة أريد تحقيقها في هذا الكتاب ولم أجد حلولاً لها إلا من الانترنيت حيث استخدم الصورة والاتصال الشبكي وغيرها.. من هنا أقول : إن هذا التناقض الشائع ليس سوى وهم ينبغي دحضه لأن هذه الشبكة هي المستقبل الذي لا يمكن تفاديه وعلينا أن نعطي لأنفسنا حرية التعرف عليها لما توفره من المتعة لأن النص متعة حقيقة وإذا لم تتوفر للكاتب خلال كتابته لا تتحقق للقارئ عند القراءة.

نوعية الموقع

* نعود إلى " جهة الشعر " ماذا تحتوي وكيف يمكن الاستفادة منها ؟.

تعرف جهة النشر بكل الشعراء العرب المعاصرين، سيرهم، نماذج من نصوصهم، الدراسات النقدية التي كتبت عنهم، مصادر دراسة شعرهم مع صور شخصية لهم وعناوينهم.

* هل هي مقتصرة على الأحياء فقط أم تمتد إلى الشعر العربي كله ؟.

حالياً يختص الموقع بالشعر في هذا القرن خصوصاً الشعر الحديث، مما يعني أن هذه الوسيلة تحفظ لنا كل ما يمكن أن يهدر من طاقات في الصحافة والكتب مع توفر الحيوية في المادة وسهولة الوصول إليها وتحديثها باستمرار.
وفي الموقع باب خاص بالدراسات النقدية التي تنشر عن الشعر، وباب للحوارات الخاصة بالشعراء يستضيف شاعراً ما لمدة أربعة أو خمسة شهور يعرف به بشكل كامل وينشر أراء نقدية في تجربته وآراءه في الشعر وأهم الترجمات التي صدرت لشعره.

وهناك باب خاص بالمجلات والدوريات العربية المتصلة بالشعر التي توقفت أو مازالت تصدر يتضمن فهارسها ومنتخب من نصوصها وعناوينها. وهناك باب الكتب للتعريف بالإصدارات الجديدة والقراءات التي أنجزت حول الدواوين الشعرية. وباب للمؤتمرات والندوات المتعلقة بالشعر وأوراق العمل التي نوقشت فيها ونماذج منها.

وفي الموقع باب بعنوان "كليم اللون" يشبه جاليري عربي يحتوي على أسماء ومعلومات عن تشكيليين عرب ويستضيف كل فترة فناناً يعرف بأعماله ولوحاته المنتشرة في كل صفحات الموقع. حالياً نفكر بإضافة موقع للموسيقى والتجارب الموسيقية الجادة، ونتمنى فتح ملف عن المسرح.

* هل واجهتك مشكلة في فتح هذا الموقع ؟

إطلاقاً ولدي موقع آخر باسمي يشتمل على دواويني والنصوص المترجمة مع سيرة شخصية بالصور لتوفر الجهد على الباحث والناقد المهتم. المشكلة هي أن هذا العمل يحتاج إلى وقت وجهد وأنا وحدي بمساعدة النديم علاوة على أنه مشروع مكلف مادياً وأدبياً ومازال الاهتمام محدوداً ومتواضعاً، وباستمرار أشجع الكتاب والأدباء العرب الأصدقاء على الاهتمام بهذا الجانب لأن حيوية موقع مثل " جهة الشعر " تتحقق بكثرة مواقع المثقفين. فيما عدا تجارب نادرة على الصعيد الثقافي - كتجربة المجمع الثقافي في أبوظبي - لا توجد تجارب مشابهة.

إنجازات " المجمع الثقافي "

* كيف تنظر لتجربة المجمع في مجال النشر الإلكتروني وإصداره الموسوعة الشعرية؟.

إن هذه التجربة خطوة تقدمية مهمة جداً على صعيد العمل الثقافي والجميع سيكتشف أهمية ما يفعله المجمع قريباً وبسرعة. أما الموسوعة الشعرية فهي عمل خارق ومن يتعرف عليه يكتشف أن هذا القرص الصغير يختزل تاريخاً كاملاً من الشعر العربي، الجميل في هذه الموسوعة أنها ليست توصيلاً للمعلومات فقط بل عملية تحليل للنصوص. ففيها لسان العرب الذي يمكن من خلاله البحث عن كل ما يتصل بالشعر العربي إضافة إلى إمكانية استخدامه بمعزل عن الشعر. هذا العمل جميل وما يحققه المجمع هو قفزات يجب أن ينظر لها بمنظار المستقبل وليس الماضي لأن هذا التحدي هو مايجب أن نعد أنفسنا له ذهنياً وفكرياً.

* بالنظر إلى الاهتمام الكبير من قبل الشباب والأجيال الجديدة بالانترنيت والكمبيوتر وعودة إلى ما يشهده الكتاب العربي من انحسار، هل تعتقد أن هذا التوجه سيسهم في نقل المعرفة إلى هذا الجيل الذي انقطعت علاقته أو كادت بالقراءة؟

صحيح أن الأجيال الشابة تهتم بالكمبيوتر والانترنيت وهو استعداد ينبغي أن يكرس في مناهج التربية والتعليم ويوجه للاستفادة من الجانب المعرفي والثقافي لأن كل مايتصل به الناشئة والشباب مادة غير ناضجة، غير جادة، غير معتمدة على المعرفة (أتحدث على المستوى العربي)، ومن هنا يمكن وضع التراث القديم والمعاصر في ضوء الوسيلة الجديدة.

* هل يجد الموقع قبولاً من الشباب ؟

رغم أن تجربتنا حديثة نسبياً (1997) إلا أن الرسائل كثيرة والانطباعات إيجابية وزائري الموقع كثيرون. لكن علينا ألا ننسى أن انتشار الانترنيت مازال محدوداً وأعتقد أنه يجب أن يصبح جزْاً من نسيج الاهتمام الثقافي العربي.

* يقال أن إمكانية تلف الاسطوانات والأقراص المدمجة أعلى منها مقارنة بالكتاب، ألا يجعل هذا المعلومات معرضة للتلف ؟

لا خوف من التلف إطلاقاً لأن هناك وسائل إلكترونية تحفظ المعلومات، واحتياطات أمنية إلكترونية مستمرة وبرامج تستحدث يومياً لتطوير هذه الوسيلة يومياً وتجميلها وإعطائها المزيد من الحيوية.

حالياً نرتب لوصل جهة الشعر بمراكز المعلومات والجامعات في العالم، وملاحق الصحف الثقافية في الوطن العربي بحث يمكن لزائر الجهة أن يزور الملحق لقراءة الجديد وتبادل المعلومات.

معرض أبوظبي

*في ظل هذا العمل الكثيف والجهد المتصل، ما الوقت الذي يتبقى للشعر ؟

ليس لدي وقت مهدور وأستطيع أن أنظم كل شيء. كل حياتي اليومية حياة شعرية ولا يشغل الشاعر عن شعره شيء. وحين يعمل الإنسان عملاً يحبه يكون جزءاً من حياته ولهذا أشعر بأنني متأجج ومتوهج ومتصل بكل ما يصقل الذهن والمخيلة.

* تزور الإمارات للمشاركة في فعاليات معرض الكتاب، إلى،أي حد تعتقد أن معارض الكتب تقدم خدمة نوعية للثقافة العربية ؟

يعتمد نجاح وفعالية المعارض على جدية ووعي المنظمين، ونوعية البرامج المرافقة، وتنادي الثقافة الاستهلاكية بمعنى اختيار المواد وتنويعها وإعطاء أكبر قدر ممكن من هامش الحرية في توفير وتداول المادة الثقافية سواء كانت كتباً ومطبوعات أو ندوات وحوارات. وكلما تحقق للمنظمين قدر أكبر من حرية المخيلة والابتكار وحرية تداول الأفكار وحرية الاختلاف كلما كان حظها من النجاح أكبر.

* وماذا عن معرض أبوظبي ؟

استطاع المجمع في تجاربه بالنسبة للمعارض أن يبلور ويطور فكرة حرية الكتاب، ورفع وهم الرقابة وهذا أمر مهم لأن الحديث عن الرقابة في زمن الانترنيت،أشبه بمزحة ولا ينبغي الخوض فيه. بعض الأجهزة العربية - على سبيل المثال - في تعاملها مع مشروع كالانترنيت تصرف ملايين الدولارات والدنانير لاستقدام أجهزة لمراقبتها في حين يمكن أن توظف في أشياء إيجابية لأن المؤسسة حين تضع نفسها بدل الإنسان لا تصادر حريته فقط بل تهينه لأنها تفكر عنه كما لو أنه قاصر ويحتاج إلى إرشاد. وكلما استطعنا تفادي هذه الأوهام المكرسة واتجهنا إلى الحرية نعزز ثقة الإنسان بنفسه وندعم استعداده المستمر لحرية الاختيار. هذا هو الشرط الأساسي لنجاح العمل الثقافي ومنه معارض الكتب.

جريدة الاتحاد / الإمارات / الجمعة 5 مارس ‏1999

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى