لقاءات

الكتابة شئ خاص، يتوجب على الكاتب ان يحسنه

هل ترى أن هناك جمودا في الحياة الثقافية حقا ؟ وما رأيك في هذا الرأى القائل بوجود ؛أزمة ثقافية وسيطرة الشلل الفكري على حياتنا الكتابية ؟

كيف يستقيم أن نقول (جمودا ) في ( الحياة ) ها أنت ترى المفارقة لكن يبدو أن ثمة خللا في المفاهيم التي نتداولها دون التريث للمعنى العميق لدلالة الإطلاقات الرائجة ، وها نحن نرفل في نتائج تلك الإطلاقات

أولا ما هو مفهومنا للفعل الثقافي بوصفه حضورا ماديا في الحياة هل الثقافة في النص أم في الكلام عن أو على النص ، بمعنى العوم في هامش الكتابة ؟

أحب أن أختلف مع السؤال بوصفك أحد المتصلين بالواقع الثقافي والفاعلين فيه، تستطيع بجرد سريع أن تعرف عدد الأعمال الأدبية التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة ، في النقد والرواية و الشعر والقصة والمسرح و الفكر والمقالة والتاريخ كل هذا يعني أن نتاجا ثقافيا متحققا بالمعنى الموضوعي للنشاط الإنساني وهذا يعني أن الكت اب لم يتوقفوا عن مشاغلهم ، كل في مجاله و بقدر اجتهاده

هذا لمن يريد أن يعرف جيدا المعنى المتحقق للفعل الثقافي وربما كان الإختلاف على أدبية هذه الكتابات لا يقلل من أهميتها كإجتهاد متراوح الموهبة، وباقي التفاصيل لايكون الإبداع مسؤلا عنها ففي النهاية يكون النص الأدبي شهادة على الحضور في الواقع

لكن الأمر لايبدو كذلك لمن يرى الثقافة في جانبها الإعلامي وهذا ما لا أتفق معه خصوصا في السياق الإستهلاكي لمعنى النشاط العام، الذي يستهوي العديد ممن لايدركون الفرق مثلا بين الندوات التي لا تنتج شيئا ولا تلامس سوى سطح الحياة، وبين النص الأدبي الذي ينتجه الكاتب

فالإنطباع السائد حول جمود الواقع الثقافي يصدر دوما من التوهم بأن كثرة الندوات والمحاضرات هي الدليل على الحياة الثقافية، وهذا مفهوم مشوش يقع في الخلط، خصوصا في واقعنا الحالي فالمسألة ليست أن تقيم ندوة لكن المهم (ماذا) تستطيع أن تقول في هذه الندوة ثم كيف تقوله وبالتحديد ما هو حدود المتاح لك أن تتكلم فيه لكي نتذكر الصديق خالد الهاشمي بالخير فالجمود الذي يجري الحديث عنه هنا لا يتصل بالإنتاج الثقافي لكنه يتصل بالآلية التي يتحرك فيها العمل الثقافي في السنوات الأخيرة بمعنى إن الذين (يستديرون) الآن للكلام عن الواقع الثقافي، ويزعمون جموده و أزمته يتوجب عليهم البحث عن الأزمة في مكان آخر غير الثقافة فالأزمة ليست ثقافية بالمعنى العميق للكلمة والواقع الثقافة جزء من سياق تاريخي شامل و إذا كان مسموحا لنا ( فقط) أن نجلد ذواتنا لكي نريح ضمائر البعض ولكي ينام البعض الآخر قرير العين لأن حدوده لم تمس ، فهذا شأن لا يتصل بالحضارة ولا بالفكر الذي نزعم أننا نذهب إليه لتنمية مجتمعنا وتطوير حياتنا

فعندما يجري الكلام عن واقع الثقافة في البحرين، ونصادف من يتطوع بمحاولة إلغاء حقبة كاملة من الحضور الثقافي والفكري الساطع الذي يمتد من الستينات حتى الآن، ونجده يقول بسلبية المثقفين وغياب العمل الثقافي ، دون التطرق للمشكل الحقيقي لواقعنا ودون أن يرف لأحد جفن و لا ترتجف لأحد فرائص، سوف يكون هذا ضربا من الخضوع لمحاولة جرنا من أجل أن نلغي ذاكرتنا ونتفرغ للمساهمة في تغييب مشكلاتنا الحقيقية، وإلهاء الفكر بالكلام عن شكل العربة وألوانها، بدل التفكير في الحصان الذي تعو جت عضلاته لفرط الحبسة في الحظائر حتى كاد أن ينسى عادة الإنطلاق في السهوب الفسيحة والمفتوحة على الأفق

و إلا ماذا يعني أن نقيم الندوات دون أن نجد نقاشا وحوارا من ق بل الحضور لمجمل الأفكار التي يطرحها المنتدون أيا كان الموضوع لماذا لا يريد أحد أن يتوقف أمام ظاهرة غياب الحوار الحقيقي في الندوات التي تقام في السنوات الأخيرة

لماذا لا نطرح السؤال عن الأسباب التي جعلت الناس تفقد عادة الحوار العفوي الصريح والحر في الندوات العامة مع اننا نعرف ونشعر بأنهم (قبل وبعد الندوة) مشحونون ومكتظون بالأسئلة، هؤلاء الناس الذين مازالوا (لحسن الحظ) يتجشمون عناء ترك دورهم والذهاب الى القاعة ؟

لا يمكن أن يكون الناس قد فرغوا من الأسئلة إلى الحد الذي يدفع بمن ينظم الندوة أحيانا لأن يوظف كتيبة مستعدة بأسئلة جاهزة غالبا ما تكون ليست ذات معنى لكي تنقذ القاعة من صمت متوقع، ولكي يبدو العرس باذخا كمظهر إعلامي ناجح عادة الحوار المفقود هذه تتصل بأسباب الأزمة العامة عندنا، و لا يجوز القفز عليها للحديث عن النتائج التي لا يتحملها الكاتب أو المؤسسة أو الشخص وهو لم يعد يحسن التعبير عن نفسه بحرية و ثقة، لأنه أصبح كائنا مصادرا بوضع اليد الحديث الدائر عن جمود الواقع الثقافي يريد أن تتلاحق النشاطات الإعلامية ذات المظهر الثقافي، بغض النظر عن طبيعة هذه النشاطات، نشاط إعلامي فحسب، يبرر المؤسسة ويرو ج الشخص ويفرغ الكوامن في البواليع نشاط هو بالتالي وجاهة اجتماعية أو( مظهر ) يحب بعضنا أن يرضي به غروره الثقافي دون الإكتراث بضميره الحضاري

أعتقد أن ما يحدث عندنا في السنوات الأخيرة في معظمه نوع من الزفة التي تغيب أو تغيب عنها العروس ، حيث الإبداع يظل بعيدا عن المشهد، لأنه فعالية لا تقبل بإمتهان الثقافة الى حد ابتذالها وتحويلها إلى مجرد مظهر إعلامي أو سياحي

المشكل أن بعضنا لا يكتفي بإطلاق القول على عواهنه، بل يتطوع بضرب الأمثلة على جمود الحياة الثقافية بالإشارة مثلا إلى مؤسسات كأسرة الأدباء والكتاب ليرجمها، لأنها لا تحسن الرقص في العرس المنصوب ، ويلقي عليها مسؤلية جمود الحياة، لعدم اقامتها الندوات التي كانت تنظمها وكان هو (خصوصا ) لا يحضر تلك الندوات أبدا
أين تكمن الأزمة بالضبط في هذا المشهد؟
لئلا نقول كذلك أين كان هؤلاء طوال أكثر من عشرين عاما ، عندما كانت أسرة الأدباء والكتاب ( مثلا ) تكاد تكون وحدها في الميدان، محققة دورها الثقافي والأدبي وفي ظروف مضادة وغير مواتية على الإطلاق أين كان هؤلاء الذين لم نكن نراهم بين الحضور في فعاليات كانت تقام على بعد مرمى الحجر الذي يتبرعون به الآن لرجم أسرة الأدباء بالذات ؟

لماذا طاب لهم الآن فقط الإلتفات الى الثقافة ليعتقدوا بجمودها وشللها وأزمتها؟

لقد كانت أسرة الأدباء و الكتاب ،بإمكانيات غاية في التواضع، تطرح مالايقاس من الإجتهادات فنا وأدبا و فكرا ، دون أن تعبأ بالجانب الإعلامي الذي يستهوي الكثيرين الأن. إن الخلل يتأسس الآن على انقلاب المفاهيم والقيم الحضارية، وهو خلل سوف يجعل كل هذا التراث الإبداعي المعاصر عرضة للشك والإلغاء، لأنه تراث يتصل بالأسئلة ولا يقنع بالجاهز من الأجوبة التي تسد علينا الفضاء. وإذا أراد بعضنا أن يغفل عن مشاكل واقعنا الجوهرية، ويطرح علينا الاجتهادات غير الموضوعية، بغض النظر عن النوايا، سوف يرتكب مغالطة كبيرة في حق تاريخ الثقافة الوطنية في هذا البلد، وربما ساهم، من حيث لا يدري، في تلفيق تاريخ آخر، ولسوء حظ هؤلاء أن الشهود لم يموتوا بعد

بعد تجربة غزيرة من الإنتاج الأدبي والفكري، كيف ترى علاقات وسائل الإتصال والنقد والقراء تجاه تجربتك ؟

أولا
لم أكن يوما منشغلا برغبة انتشار جماهيري بالمعنى الشائع للمسألة، فالكتابة بالنسبة لي شأن خاص يتوجب على الكاتب أن يحسنه أما العمل الثقافي فهو شأن آخر يأتي فيما بعد، وهو عمل جماعي متفاوت الأهمية والفعالية ومرهون بالظروف المحيطة، وهو لا يعنيني شخصيا إلا في حدودمن هنا أعتقد أن ثمة قراء يتصلون بدرجات مختلفة بما أكتب ، ولا يقلقني أنهم يشكلون دائرة محدودة فهذه هي طبيعة الكتابة الأدبية في كل مكان

ثانيا
لن يستطيع الكاتب الإحاطة بكل العمل النقدي الذي يتناول أعماله. وما عرفت عنه من كتابات نقدية عن انتاجي أشبع جانبا روحيا يحتاجه الكاتب بشكل عام و معظم هذا النقد كان بمثابة الحوار الواعي لجوهر الكتابة الشعرية التي انشغلت بها في سياق تجربتي الأدبية

ثالثا
وسائل الإتصال بوصفها إعلاما لم تستهوني على الإطلاق، ولي موقف سلبي تجاه هذه الوسائل ، عادة ما أكون قلقا تجاهها، فإنني لا أميل إلى المقابلات في تلك الوسائل، ربما لأنني لا أشعر بالحرية عندما أتحدث معها أو من خلالها ، وهذا يوقعني في كثير من الحرج بسبب هذا الموقف السلبي. لدي شعور، يتأكد دوما ، بأن وسائل الإتصال بمفهوم الإعلام العربي ونظرته للثقافة والأدب ربما أدت إلى الإضرار بالأديب أو الإساءة إليه أحيانا ، حتى وإن لم تكن هناك نوايا بذلك وهذا يجعلني في منأى من هذه الملابسات

هل ترى ان نتاجك قد حصل على مكانته في مناهج التعليم محليا وعربيا ؟

لمناهج التعليم العربية عامة موقف مغاير لما يذهب إلىه منظوري للأدب. أنهم يرون غير ما أرى ويذهبون إلى غير ما أذهب لذلك ليس متوقعا أن يأخذ النص الأدبي الجديد مكانا في التعليم العربي الراهن. لكن هناك نصوص عديدة يتم تقريرها ودراستها في بعض المواقع الأكاديمية بالجامعات العربية بما فيها جامعة البحرين باجتهادات فردية من الأساتذة الذين يتصلون بالكتابة الجديدة، ويرون فيها عناصر فنية تستحق الدرس النقدي، وليس لقناعة منهجية، لدي المؤسسة، بضرورة الإتصال بالتجارب الأدبية في المناخ الأكاديمي وبالحرية العلمية وفي أكثرمن جامعة أوربية وأمريكية أعرف عن دراسة نصوص شعرية لي منذ السبعينات. لكن لا أعرف ما إذا كان هذا الأمر يعني الشاعر أم المؤسسة التعليمية أظن أن هذا السؤال يعني غيري أكثر مما يعنيني

كيف ترى وضع مستقبل أسرة الأدباء والكتاب بعد تجربة طويلة في تأسيسها و تطورها ؟ هل هناك امكانية لإحداث تغيرات في حياتها التي وصلت إلي لحظة من الجمود والعزلة ؟

كمؤسسة أدبية ، تشكل أسرة الأدباء والكتاب واحدة من أجمل معطيات النهضة الحضارية الحديثة (ثقافيا ) في هذه المنطقة. فأسرة الأدباء لا تزال تشكل الفكرة البهية لصورة البحرين الأدبية محليا وعربيا وفي سياق المؤسسات الأدبية المثيلة عربيا حققت أسرة الأدباء تميزا تقدره جميع الأوساط الأدبية، وترى فيه نموذجا للكيان الذي حقق نفسه بإمكانيات إبداعية غاية في الغنى والتنوع، وبإمكانيات مادية متواضعة لم تعوق حضوره المتوهج في المشهد الأدبي العربي. أذكر هذه الحقيقة لأهميتها المعنوية والتاريخية التي يتوجب أن تشكل دفعا قويا للجيل الجديد، الذي سوف يكون مسؤلا عن بلورة هذه التجربة بأدواته الجديدة الخاصة وباجتهاداته المختلفة مستقبلا من هذه الشرفة سأختلف مع سؤالك قليلا ( مرة أخرى ) حول مفهوم ( الجمود و العزلة ) الذين تقول عنهما فعطفا على جوابي لسؤالك الأول ، سيكون واضحا الآن أن أسرة الأدباء، باعتبارها جزءا من الواقع الثقافي، لم تتوقف عن العطاء الإبداعي في صورة الإنتاج الأدبي لأعضاء في الأسرة لم يتوقفوا عن الكتابة، بعضهم منذ الستينات ، والبعض الآخر يتحقق في جيل جديد من الأصوات الأدبية أصدرت كتبها في العشر سنوات الأخيرة ، من خلال مطبوعات أسرة الأدباء، أو من خلال منشورات شخصية داخل وخارج البحرين بشتى الوسائل. كما أن معظم الذين تحضر أصواتهم في الصحافة الثقافية طوال الوقت هم من أعضاء الأسرة. وأحب أن أتفاءل بالقول بأن مستقبل أسرة الأدباء، وهو الآن بين أيدي الجيل الجديد ، سيكون أكثر جمالا وتنوعا الرهان الحقيقي الوحيد ينبغي أن يتمثل فقط في الكتابة الأدبية، في النص الأدبي بشتى تجلياته، وليس في المظاهر الإعلامية والضجيج الخارجي الذي يستدرجنا إلىه الواقع الإستهلاكي ، فالعربة الفارغة هي فقط التي تحدث كثيرا من القرقعة

ما هي أعمالك الإبداعية الأخيرة ؟

كتاب جديد بعنوان ( قبر قاسم ) سيصدر في المغرب و هناك عمل آخر بعنوان مجنون ليلى ، سيطبع في لندن وتونس معا في طبعتين مختلفتين، وهو عمل مشترك مع الفنان العراقي ضياء العزاوى، وهو صاحب فكرة الكتاب، الذي يشتغل علىه تشكيليا ، وسيصدر في صورة كتاب فني كبير مرفقا بأعمال يحققها العزاوي بالغرافيك والورق المصنوع يدويا ، وسيكون النص مترجما الى الفرنسية والانكليزية في نفس الكتاب

كيف ترى علاقة جيلك الأدبي بالجيل السابق واللاحق، هل نشأت علاقة صحية وإثراء متبادل على الجانبين ؟

إذا اتفقنا على أن التراث (بمفهومه الإنساني) هو بمثابة الهواء في حياة الإنسان ، فإن علاقة كل جيل بمن سبقه هو علاقة الدم بالهواء النقي والصحي الذي يجعل الحياة قابلة للتطور والنماء والتبلور و يمنح القلب طاقة الحب والولع وهذه علاقة لا يمكن تفاديها أو رصدها بالمساطر والحدود لذلك ليست ثمة قطيعة إلا مع ما لا يتصل بالمعنى الجوهري للإبداع. كلنا مستقبل الماضي بدرجة أو بأخرى ، وبالقدر الذي نغاير ونتميز عن ماضينا نستطيع أن نكون أحفادا و أبناءا مخلصين لمستقبلنا

أذكر عن أبي حادثة صغيرة تحضرني الآن ، فعندما كنت أذهب معه يوميا بعد المدرسة إلى دكانته في سوق المحرق، كان يمر في ذهابه وإيابه من طريق واحدة طوال السنوات، وهي طريق تمر من داخل أزقة المحرق مختصرة المسافة، ولكنني عندما أكون وحدي أمر من طريق مختلفة قريبة من البحر قليلا وذات يوم سألني غاضبا لتأخري، فأخبرته بأنني أذهب من طريق غير التي اعتاد أن يأخذني منها، قال لماذا تفعل ذلك ؟ فقلت له إنها طريق أجمل، وأذكر أن السبب المباشر أول الأمر كان خوفي من المرور وحدي في الأزقة التي غالبا ما تكون ملغمة بالكلاب السلوقية المعروفة بالمحرق تلك الفترة فطلب مني أن أقوده ذات يوم من طريقي الجديدة ، كانت المسافة طويلة بعض الشيئ ، فقال ؛طريقك بعيدة لكنها جميلة بسبب البحر، إنها لا تعجبني ، حاول أن لا تتأخر مرة أخرى أذكر هذه الحادثة الصغيرة التي لم يكن والدي يدرك دلالتها آنذاك و لم أكتشف جمالية معناها إلا في وقت متأخر ( كما توقع لي أبي) لقد كان كلانا يحب الطريق التي اعتادها

أما عن الجيل اللاحق ، فإنني في الحقيقة لا أحمل شعورا بكوني من جيل سابق أعتقد أن الوقت مايزال باكرا منذ أيام فقط التقيت بالصديق الشاعر السعودي محمد العلي في الشارقة ، وكنا لم نلتق منذ سنوات، وما إن رآني حتى قال مداعبا لم تزل شابا يا قاسم، هل أنت خارج الزمن ربما كان يقصد بذلك مظهري، وهي مجاملة معنوية أستحقها على كل حال لكن دعابته مس ت لدي شعورا داخليا غامضا بأنني قد لا أخضع للزمن بالمعنى الرياضي وخصوصا في العمق الرؤيوي والفني منه وهذا ما يجعلني لا أكاد أجد تخوما محددة لتوصيف الأجيال وتقسيمها

ومثلما حدث مع والدي حدث بعد سنين طويلة مع إبنتي منذ سنوات أحضرت إبنتي شريطا غنائيا تحبه وطلبت مني أن أسمعه معها، ولكي لا تسمع مني رأيا لا يعجبها قالت لاتنسى أنك عندما تبدأ بالإختلاف معي في تذوق الأشياء الفنية ستكون قد أصبحت متقدما في السن وأنك من جيل آخر و كان الشريط رائعا

أعتقد إن علاقتي ببعض ما يكتبه الشباب الآن تتمثل في ما يحقق ما حلمت به وما يشكل جديدا بالنسبة لي فلدي شعور بالصلة بأحدث الأصوات الأدبية كما لو أنها تحاورني في اللحظة الراهنة تحاورني إبداعيا وتحقق معي تجليا إبداعيا يضيف لتجربتي ويأخذني إلى ملامسة أفق جديد يغري بالذهاب الغامض دون تردد، كما لو أنني أكتب تجربتي الشعرية الأولى توا وأظن إن في هذا مظهر من مظاهر الإثراء والغنى المتبادل بين التجارب، دون الإلتفات الى فوارق سنوات العمر أوشكت أن أقول سنوات الجمر فالمبدع يزدهر أكثر بين مبدعين، لذلك يغمرني الفرح عندما أقرأ نصا جديدا كتبه شخص آخر ، خصوصا إذا كان شابا

كيف ترى تجربتك في مجلة ؛ كلمات وهل استطاعت أن تكون منبرا إبداعيا متعددا لكافة الأصوات و أوصلت التجربة الأدبية في بلدنا الى العالم ؟

إن مشروعا أدبيا إبداعيا مثل ؛ كلمات يتوجب النظر إليه بوصفه رؤية فنية تمثل هيئة التحرير المسؤلة عن أطروحاته ، وإلا فلا معنى لأن يكون القائمون عليه مبدعين فأية مجموعة من الناس تستطيع تحرير وتوظيب المواد يمكنها أن تصدر مجلة في أي وقت وفي أي مكان المهم أن تكون لدي هيئة التحرير رؤية خاصة تصوغ بها مشروعها الإبداعي
من هذه الشرفة أرى كلمات و إذا كانت هذه المجلة قد حققت تجربة معينة حاضرة في المشهد الإبداعي العربي ، فذلك يعود إلي الرؤية التي صدرت عنها هيئة التحرير طوال عشر سنوات. ففي تجربة مثل هذه ليس بالضرورة أن تكون منظوراتها مقبولة من جميع الاجتهادات والقناعات الفنية الأخري محليا وعربيا بل على العكس من المتوقع أن تكون سياقا خلافيا لأنها تطرح اجتهادا مغايرا أقول مغايرا ، وليس في هذا حكم قيمة على صواب أو خطأ هذا الإجتهاد لأن هذا يعود إلى المعطيات المرهونة بمستقبل التجربة الإبداعية التي لاتزال تتحقق، ليس في البحرين فحسب ، ولكن في المنطقة عموما وفي مساحات مختلفة من البلاد العربية

منذ اللحظة الأولى في ؛ كلمات إذا كنا نتذكر مقدمة العدد الأول كان تصورنا أن الأفق الذي ينبغي أن تتحرك فيه المجلة هو الأفق العربي وليس الأفق المحلي ولو أن كلمات استسلمت لتخوم المحلية التي ظل الكثيرون يطالبون بها لما تحقق لها ما تحقق من التجربة الغنية والقوية بالشكل الذي نراه فلا أحد الآن يذكر أهم ثلاث مجلات أدبية في البلاد العربية دون أن تكون ؛ كلمات واحدة منها وهناك كتاب ومبدعون عرب ينشرون نصوصهم فيها بحماس ومحبة وهم يعرفون أن النشر فيها بلا مقابل مادي، في حين تطلب الصحافة الأخرى كتاباتهم بآلاف الدولارات ولم يتعرف العرب علينا فحسب من خلال ؛ كلمات ، بل إن جهات عالمية إبداعية وأكاديمية أصبحت هذه المجلة مصدرا مهما من مصادر معرفتهم بالإبداع في هذه المنطقة ونستلم رسائل من مختلف أنحاء العالم تطالب بأعداد المجلة ولا تخلو مكتبة مهمة في العالم من أعداد ها أما في البحرين فيتوجب علينا التنقيب عن شخص يشعر بالفخر لأن مجلة كهذه تصدر من بلاده حيث يتبرع كل من هب ودب برجم كلمات بالحجارة
ربما لأننا لم نكن نغني ضمن السرب في جوقة واحدة، لذلك لم نطرب الكثيرين في هذا الحي

يعاني الأدباء والفنانون من تردي وضع الكتاب البحريني، كيف تقيم هذه الأزمة وطرق الخروج منها ؟

هذا ليس من شأن الكاتب ففي البلاد المتحضرة الكاتب عليه فقط أن ينجز كتابته بشكل جيد وجميل والباقي تتكفل به مؤسسات متخصصة ومثقفة، تحترم الفن والأدب وتسعى لتحقيق طباعة الكتاب بالشكل اللائق الذي يحفظ حق الكاتب واحترامه وكرامته من جهة، وتوفر الكتاب للقارئ الذي يطلبه من جهة أخرى وكل شيئ غير ذلك لن يتصل سوى بالتجارة و الإدارة أوالربح والخسارة وهذه أمور لن يحسنها الكاتب أبدا ، وليس له أن ينشغل بها
أقول ، إن هذا يحدث في البلاد المتحضرة فقط ولا ينبغي أن نؤذن في مالطة كثيرا

أخبار الخليج-البحرين
1994- عبدالله خليفة

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى