لقاءات
الشاعر العربي الكبير : قاسم حدّاد لمجلة أصوات الشمال
لما أهداني مالك حداد إسمه الأدبي

قاسم حداد قصيدة تقول نفسها، أديب في مقامه متواضع جدا ومصرا على الحضور والإصغاء لتجارب الشباب ولو تمردت على تجارب من سبقوها، لذا كان الشاعر الكبير مصرا على حضور ورشات الكتابة التي كانت على هامش ملتقى الأدباء الشباب الذي احتضنته "المنامة" مؤخرا، تحدث قاسم إليهم أصغى باحترام وتفاؤل لكتاباتهم، بل وفاجأهم بحضوره لأمسياتهم الأدبية التي أقيمت على هامش الملتقى في رواق جليري وببيت الشيخ آل خليفة الثقافي، فأثنى على تجاربهم وأوقد الثقة في نفوسهم ، لم يبخل علينا بوقته الثمين وأجرى معنا هذا الحوار. مؤكدا أنه سيحل ضيفا على الجزائر في الأيام المقبلة.

* تحل ضيفا على الشباب وأنت الكاتب الكبير، ألا ترى أنك لا تشبه الآباء الآخرين الذي قد يصفون التجارب الجديدة بالمتمردة، أو ما تشبه فعل اللعب؟

- أعتقد أنه إذا استطاع الكاتب أن يجري حوار حار مع المواهب والتجارب الجديدة فسيكون قد قطع شوطا كبيرا في كتاباته ومنجزاته، ففي لقائي بالآخرين أنتج نص جديد، فما بالي بلقائي مع الشباب، ولو أني أرى أن في الكتابة الجديدة بدأت ذائقة نوعية لدى الكتاب والمبدعين، وأعتقد أنها صارت مكونة للممارسة الأدبية.

"التقنيات المعول عليها في الكتابة الجديدة"

* تحدثت في مداخلتك أثناء تقديمك لمحاضرة في إطار فعاليات الملتقى الأدبي الثاني للشباب العربي الذي كان شعاره صفحة جديدة، واخترت الحديث عن الموسيقى في اللغة، هل تعتقد أنها الشغل الشاغل في عملية الكتابة، ولو أنه قد يلجأ لتقنيات أخرى داخل اللغة لاسيما وقد أصبحت المعول عليها داخل النص؟

فعلا لم يعد موضوع الموسيقى في اللغة الشاغل للأديب والشاعر خصوصا، فالكتابة في الأدب العربي تحتفي بالإيقاع اللغوي، باعتباره موسيقى تفتح أفقا شاسعا لدخول تضاريس السرد، ومن الجانب الثاني فيما أكتب أصدر عن هذا العمق الغامض في لغة التعبير، فلا يكن الوعي مباشر لحظة الكتابة، بل المخزون الشعري وذاتية اللغة والتراث القديم والمعرف الحديثة، والموسيقى والولع اليومي بها كلها تصدر أثناء الكتابة بحالة لا واعية، التفاصيل الصغيرة التي تمثل في حروف الكلمة، أثناء التكرار الحرف في الكلمة يشكل إيقاع يؤسس للصور والحس النفسي داخل النص. وعلاقة الكلمة بحروفها التي تقترح حروفا أخرى، لكن توفرها بشكل مختلف، وهذه الحروف موجودة في القواميس والمعاجم هي التي يلعب عليها الشاعر في ترتيب التدفق الشعوري في إعادة الكتابة والتبيض، فيصادف الكاتب الكثير من التجديد وإعادة التعديل.

"للجيل الجديد أكثر تحد وأكثر حرية"

* تراجع التراث دفع بالكاتب الجديد لاقتراح بديل يفرضه بدل البحور والوزن والقافية، وهذا ما يظهر قطيعته بالتراث اللغوي خاصة في ظل ذوبان مجتمعاتنا في الآخر، وانحلال حضاراتهم وثقافاتهم، والدليل هو اقتحام كم هائم من الكلمات اللأبجدية داخل الخطاب الاجتماعي، فكيف لنا بالعودة لهذا التراث الذي لا بد منه؟

إذن تحديات هذا الجيل أكبر من تحديات جيلنا، فنحن ارتبطنا بمناقشة القصيدة الموزونة، وأنتم اليوم حرياتكم مفتوحة ولا محدودة، أنا أدعو للرجوع للغة تماما مثلما يحدث مع الفقه الديني، فالمسلم الحالي غير مسموح له بمناقشة التراث وقداسته مثل الدين، بل لقد وصل الأمر إلى اعتبار اللغة العربية مقدسة، لا يجب تغييرها أو مسها، ومن هنا تكمن أهمية اللغة للعودة إليها من طرف الباحث، فالخليل الفراهيدي، عاد إلى اللغة لأخذ تنظيراته في البحر والوزن، والأدباء الشباب مطالب قبل تقديم البديل التمتع بالحرية وهي الطريقة الحسنة في الوصول إلى جماليات اللغة.

* مزاوجة النص الشعري بالصورة المرسومة خاصة، تجربة استهوت الكثير من الأدباء، كتجربتكم مع الفنان محمد عزاز في كتاب جمعكما "المستحيل الأزرق"، هلى هي طريقة لتكامل الفنون، أم تسليط الضوء على جنس أدبي يحتاج إلى الكثير من البصيرة؟

كتاب " المستحيل الأزرق" تجربة بصرية على الصعيد الشخصي والإبداعي، وأرى أن الذائقة الأدبيية العربية، أهملت الحاسة البصرية، وبدأت تهوي، إلى درجة أننا نلاحظ أن قطاع كبير من الكتاب العبق ينفصلون عن فنون السينما والتشكيل، غالبا أن يكون لهم ولعا بهما، فالنص الأدبي والصورة في النهاية يتصلان بطاقة مخيلة الكاتب في بناء النص، أشعر أن الكاتب ملتزم بالصورة لأنها تغدي النص.

"الكتاب الغير عرب عناوين في الأدب العربي"

* في ظل الاشتغال على اللغة لدرجة أنها أصبحت تقنية من تقنيات الكتابة، ولما لها ارتباط بالمجتمع وتراثه وحساسياته الإيديولوجية، فبين أن يبقى الأدب ابن لغته من جهة، ولما للعربية من جماليات من جهة أخرى، فما سر جمالية النصوص الغير مكتوبة بالعربية لكن من طرف كتاب ذوي قوميات أخرى، ككتابات الأكراد مثلا؟.

كم هو جميل هذا السؤال، فعلا تعجبني نصوص المكتوبة باللغة العربية للذين يكتبون بغير لغاتهم الأم ، قوية وجميلة . وأذكر هنا تجربة سليم بركات فهو عنوانا كبيرا من عناوين الأدب العربي، ولو أني لم أطلع على النصوص العربية المكتوبة من طرف كتاب ينتمون لأصول أمازيغية، ولكني أحس أن النص المكتوب باللغة العربية من طرف هؤلاء يكون قوي أدبيا.

*أخبرتني أن علاقتك بالشعر الجزائري بدأت مبكرة، كيف ذلك؟

"لما أهداني مالك حداد اسمه الأدبي"

* دعوني أولا أحكي لكم حكاية قديمة لعلاقتي المبكرة بالشعر الجزائري، في أول ستينات القرن الماضي، في حمى ولعي بالقراءة تعرفت على كتاب (الشقاء في خطر) والحق أن عنوان الكتاب هو ما جذبني أول الأمر، فيما كنت في ذروة انهماكي النضالي، وشعرت بأن ثمة ما يربطني بهذه التجربة، ليس شعريا فقط، ولكن نضالياً، خصوصا بعد أن تعرفت على سيرة الشاعر مالك حداد. لكي يتضاعف ولعي به. وما إن بدأت في التفكير بنشر محاولاتي الشعرية الأولى، اختصرت اسمي الرسمي الطويل في اسمين فقط، غيرت(جاسم) إلى قاسم، وتخلصت من ألف لام التعريف (الحداد) فوجدت أن (حداد) أكثر انسجاماً، والأجمل أنني كنت أعبر عن إعجابي وولعي بالشاعر مالك حداد واسمه. ومنها انطلقت بهذه التعويذة المباركة. مكتنزا بعلاقتنا النضالية بالثورة الجزائرية التي كانت طاقة تضاعف حماسنا القومي آنذاك. تلك هي بداية علاقتي الواضحة بالشعر الجزائري.

*إذن، لم تتعثر بسبب عامل الترجمة حتى تلج قلب النص الجزائري؟

يبقى بعد ذلك أن الذاكرة لا تزال تحمل شيئا عن محمد ديب صاحب (النول) وكاتب ياسين بمسرحياته (الجثة المطوقة) وغيرها، وراية (نجمة). مترجمات، لكنني لا أتوقف عند الشأن اللغوي في الكتابة. الإبداع يبتكر لغته ويصل بقارئ يرغب في ذلك.

"الاغتيالات سبب قطيعتنا مع المثقف الجزائري"

* إذن ما سبب القطيعة الموجودة بينكم وبيم مثقفين وكتاب جزائريين؟

الشعر الجزائري سيبدأ في التعثر في ذاكرتنا، دون أن يكون هذا الانطباع حكم قيمة، وليس من الحكمة الزعم بأنني أعرف صورة المشهد الشعري الجزائري الراهن واضح الملامح. لا أعرف كيف يمكننا تفسير تلك القطائع الفادحة، فالثمانينات من القرن الماضي لم تكن منصفة. ليس لأنها قطعت علاقتي الشخصية مع بختي بن عودة باغتياله مع كثير من المثقفين والأدباء، ولكن لأنها سوف تربك لنا ما ظننا أننا نستعيده في العلاقة والاتصال بما نحب في الثقافة الجزائرية.

فبعد أن صادف أن تعرفت شخصيا، ببعض أعضاء اتحاد الكتاب في لقاءات أدبية رسمية، مثل عبدالملك مرتاض وبلقاسم خمار وأخيرا مهيوبي، سرعان ما اضطربت الصورة وتلخبطت بأفعال سياسية خارج الإرادة، فحجبت الجزائر عنا.

حتى أن تجربة لاحقة مثل (جاحظية) الصديق الطاهر وطار، التي عرفته شخصيا في أكثر من مناسبة، وقرأت جهده الروائي الإبداعي في السياق الذي اجتهد فيه كرؤية ثقافية واجتماعية وسياسية مثيرة للجدل ـ إلا أنني لا اعرف كيف تبلورت تلك التجربة على صعيد الواقع.

ثم أن تجارب مثل واسيني الأعرج سوف تقترح علينا سياقا مميزا في السرد لا يمكن تفاديه في المشهد العربي الآن.

"الانعتاق من سلطة الشرط الإيديولوجي"

* وماذا عن فعاليات الأجيال الجديدة الجزائرية؟

إنني تعرفت بقدر لا بأس به على تجربة (رابطة الاختلاف)، حيث لن أخفي حماسي لأجيال الشباب، دون إغفال الشرط الإبداعي، الأمر الذي لن يسمح لي بالاطمئنان الواضح لكثير مما قرأته من مطبوعات تفضل بإرسالها لي مشكورا الصديقأبوبكر زمال، الذي كان من بين أنشط الذين بادروا بالاتصال المباشر بي وجعلي على صلة بجانب من فعاليات الأجيال الجديدة في الجزائر. ولكي لا أنسى أحدا يتوجب تفادي ذكر أسماء كثيرة قرأت لها. ومن المهم العناية بالنزوع الجديد لدي هذه الأجيال المتمثل في الانعتاق من سلطة الشرط الايديولوجي الذي يحاصر الكتابة الأدبية العربية الجديدة من جهتين: جهة المؤسسة السياسية الساعية لتجيير الأدب لإعلامها، ومن جهة التراث الأدبي العربي (الذي لا ينجو منه السياق الجزائري) القادم من وهم الالتزام والواقعية وغيرهما مما وقعنا جميعا تحت وطأته طويلا. أقول بأن يقظة الشباب لتفادي ما تعثر به السابقون مسألة تساعد في تأسيس أفضل.إنني أحاول التعرف على المشهد الشعري في الجزائر دون أن أنجح كثيرا.

* وعن جهة الشعر، ما سبب قصور ظهور الأصوات الشعرية الجزائرية في الموقع مقارنة بباقي الأصوات العربية؟.

في حدود ما يتوفر وما يمكن نشره نحاول في جهة الشعر أن نتعرف على الشعر العربي الجديد في المشهد العربي، ثمة مناطق شعرية نعترف بارتباك حضورها في (جهة الشعر) لأسباب فنية وليست جغرافية ولا غير ذلك. لكن لابد أن تتوفر مبادرات متبادلة بيننا. دائما سنتوقع هذا.
حاورته بالبحرين فائزة مصطفى

 

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى