لقاءات
قاسم حداد: نحن نتعلم من الجيل الجديد لأنهم الرهان الحقيقي
فتحية حسين

وجود باقة من الفنانين والأدباء العرب في الكويت فرصة يقتنصها ملتقى الثلاثاء لدعوة هذا الفنان وذلك الأديب والشاعر قاسم حداد الموجود حاليا في الكويت بمناسبة مهرجان القرين لبى دعوة الملتقى فزان الشعر اللقاء وداعبت الشاعرية الحوار.

بداية حيا راعي الملتقى الأديب اسماعيل فهد اسماعيل الضيف وقال: «أنا أجزم ان قاسم حداد من بين أشعر الموجودين الآن في العالم العربي», وبدوره حيا قاسم حداد المتواجدين ابتداء من الشاعر الكويتي علي السبتي والمسرحي العراقي جواد الاسدي والمسرحي المغربي عبدالرحمن بن زيدان ثم الحضور من الشباب وعلق على ذلك قائلا: «اعتقد دائما ان الجيل الجديد هو الوحيد الذي يعطي المبدع مبررا لان يكتب جديدا»، ثم اوضح انه يعتقد بضرورة ان تتغير مقولة «المثل الأكبر هو من أكبر منك» لانه يرى انه يتعلم من الجيل الجديد ويتلقى منه الدروس عبر مغامرات ومخيلة الشباب فهم «الرهان الحقيقي».
وانشد الشاعر بعدها بعضا من اشعاره وبدأ بأبيات من: «جدارية للشخص الوسيم» وهي لوحة شعرية لم تنشر بعد مهداة إلى صالح عزاز وتغنى بـ «سديم الفلك» إلى بن صالح، واقتطف الشاعر من ديوانه علاج المسافات قصيدة «مرارات».
وفتح بعدها باب الحوار الذي بدأه الشاعر علي السبتي بالقول: «كيف نميز بين الشعر والنثر؟» ليؤكد قاسم حداد ان «القضية لا تتعلق بالضرورة بالتفعيلة ولكنها ترتكز على الايقاع»، ثم ناقش ما يدور حول كتابات الشباب وخروجهم عن قانون التفعيلة والوزن ليقول: «نحن لا نتوقع ان ما يكتبه الشباب الآن يجب ان يصدر عن القانون نفسه والحساسيات التي صدرنا عنها في البداية» وشدد على أن الجيل الحالي ان أراد بعث حساسية جديدة فيجب أن يقنع الآخر بأن ما يقدمه شعرا وليس نثرا ويرى الشاعر ان عملية الاقناع هذه ضرورية وهو كما يقول يعزي ذلك إلى ما أسماه بـ «الجاهزية» وهو مصطلح استخدمه للتعبير عن المرجعية حيث يرى ان الشباب لا يتكئون على مرجعية معينة وعليه فيتوجب عليهم اقناع الآخرين بعناصر معينة في شعرهم المقترح وهم سيعتمدون غالبا على المخيلة الشعرية، على الصورة الشعرية المكثفة وعلى الوعي الحقيقي كي يستطيع المتلقي ان يستنبط ملامح: «الوعي الحقيقي وهو أمر مهم تتضاعف اهميته بالوعي بجماليات اللغة العربية لاننا ان أردنا أن نجدد في الشعر فيجب ان نكتشف كنوز اللغة العربية خصوصا ما اسميناه بقانون الوزن والتفاعيل والبحور وهو صادر من ايقاع و«هارموني» وموسيقى أكثر رحابة وعمق من البحور والتفاعيل، وهو موسيقى اللغة العربية, والشاعر قاسم حداد يعبر عن شيء من خيبة الامل حين يقرأ بعض النصوص التي يرى انها اقرب ما تكون إلى النصوص المترجمة ويقول في ذلك: «وهذا يعود إلى وعي الشاعر وحسه الموسيقي فأنا لا أستطيع أن أكتب كلمة سواء في النثر أو الوزن دون ان اشعر بها موسيقيا وهذا شرط متاح وشرط مفتوح للجميع ولجميع الاجتهادات، يبقى ان نلاحظ شيئا مهما وهو ان القانون المستمر للشعر العربي الصادر من التفعيلة والوزن يأتي من تراث كثيف من مئات السنين وأسس وذخيرة كبيرة عند الشاعر وبالتالي عند القراءة»، ويضيف «لكن أن نأتي بمفاهيم جديدة للشعر سنحتاج إلى وقت اطول كي يساعدنا الشباب في توضيح هذه الصورة التي نجتهد فيها بأشكال مختلفة، لكن من الضروري ان نتساءل عن الرؤى والامتحانات الجدية لهذه التجارب»، واستطرد: «ظل النقد الأدبي والمتعلق بالشعر محافظا اولا او هو متردد، لان تناول تجربة التجديد الشعري كنصوص وليس تنظيرا لدرجة اني استطيع الجزم ان التجارب الجديدة لم تحصل على قراءات نقدية حقيقة متعاطفة، لانك لا تستطيع ان تفهم تجربة او تتعامل معها دون ان تكون لديك درجة من الحب، وهذا يستدعي التخلص من الاحكام المسبقة وعدم النظر إلى هذه التجارب بالاستهانة والخفة وحصر الابداع بالاسماء المكرسة والتي تتكرر والتي قد قدمت جهدا حقيقيا للتجربة الشعرية العربية، لكن يجب ان نتناول النصوص المهمة في تجربة التجديد»، وقال حداد: «هناك نصوص لشعراء مهمين خرجوا عن التفعيلة لكن استطاعوا ان يقنعوا القارئ، وبالتالي قال بعض النقاد ان هذه نصوص شعرية، من دون ان تصدر عن وهم وقف على الرواد او وقف عند قانون التفعيلة والبحر»، وأردف: «لا بد ان نؤمن بهذه التجارب كما قبلت الاجيال التي سبقت فهي قد قبلت تجارب غيرها, لا بد ان نؤمن بان الشباب، وهم مطالبون ان يقنعوننا بتجاربهم وهم ينطوون على تجارب جادة، ولكن للأسف في خضم هذا النشر وغياب النقد والاستهانة بالنشر كل هذا سيربك الصورة الشعرية وسيضاعف مسؤولية الشباب», واستدرك «لكنني من المؤمنين ان هناك شعرا آخر غير شعرنا, نحن لسنا آخر الشعر ولا أتوقع ان آلية الحياة الجديدة بكل حساسيتها، بكل مفاهيمها، بكل معارفها، بكل هذا التحول العميق الخطير مجبرة على ان تكتب بطريقة الشعر القديم او حتى بطريقتي لان هناك اشياء احيانا لا نستوعبها انا اظن اننا مجرد ان نطالب بهذا الشيء ننسى امكانية التجديد في كل شيء, أنا أتفق مع الرأي القائل ان من الصعب التعاطي مع هذه الاعمال اذا لم نتدرب على قبول فكرة مراجعة القناعات، فعندما نكون مستعدين لان نراجع قناعاتنا للمـــفهوم الشعري سنفتح النافــذة كبداية لنتعرف على هذه التجارب بقوانينها».
في مداخلته قال المسرحي المغربي عبدالرحمن بن زيدان: «جئت من ابعد نقطة من الوطن العربي لأقرب نقطة إلى قلوبنا جميعا لاقابل هذه الوجوه الكريمة التي تحتفي بالشاعر قاسم حداد, استمعنا إلى بعض النماذج الشعرية، استمعنا اليها كمشاريع قصيدة وهذه المشاريع هي النهج الذي سادت تجربته الشعرية من البداية إلى الآن، خصوصا لانه (أي حداد) عندما يكتب قصيدة شعرية فانه يريد ان يجعلها مفتاحا لكل قصائده السابقة، او يجعل كل قصائده الشعرية مفتاحا للقصيدة التي اوجدها من جديد، وهذا النوع من الجدل بين الكل كابداع شعري وبين هذا الجزء كابداع، هو الذي يجعل مساحة القراءة محدودة بكل ما تركه وابدعه من شعر»، وأضاف: «من خلال متابعتي لابداعاته وجدت خارطة الابداع الشعري لديه متنوعة ولا يمكن ان نعتبرها في تجربة واحدة، فهو يريد ان ينظر إلى الشعر كموضوع مستقل، فهو يريد ان يصدر بيانات للشعر، وهذا موضوع، وهو يريد ان يكتب عن تجربته الخاصة، وهذا موضوع آخر للقراءة، وهو يبحث عن الآخر الذي يكمل تجربته وهذه تجربة أخرى او قراءة أخرى، إذن هذا الكل الموزع بين تجاربه هو الذي يجعل قصائده الشعرية لا يحكمها الايقاع او الوزن ولا تحكمها المقاييس الموجودة سلفا»، وقال زيدان: «ان الذي يحكم تجربته هو هذه الحساسية الجديدة التي يغير بها الشعر.
وهذا الجديد في مساره الابداعي، هو يريد انطلاقا من هذه الحساسية: حساسية اجتماعية، حساسية نفسية، حساسية حضارية، حساسية خاصة يغير بها الشعر وعندما يبنى الشعر بهذه الحساسية فإنه يبنى بهدف تحقيق شيء لم يكن موجودا في القصيدة الشعرية القديمة وهو هذه الدرامية, هو يتحدث عن الشعر، والآن القصيدة العربية بحساسيتها الجديدة وبتجربة جديدة استطاعت أن تكتب قصيدة درامية بأصوات متعددة لا تنتمي إلى الشعر، ولكن تنتمي إلى الدراما وتنتمي إلى الرومانطقية وإلى البلاغة الشعرية»، وقال زيدان: «اما ان نتحدث عن الايقاع فهذا جزء صغير مكون للقصيدة الشعرية».
وفي تعليق على ما ابدته منى الهزاع عن تأثرها بالنص المترجم للشاعر الفرنسي رامبو وغيره بالرغم من عدم تقيد هذه النصوص بقواعد التفعيلة قال الناقد المغربي: «نحن نبحث عن البيئة التي تعطي لنا الرؤية الشعرية لدى قاسم حداد كما تعطي لنا الرؤية الشعرية لدى مجموعة الشعراء الذين نسميهم «حداثيون» او مجددين للشعر او استطاعوا ان يحدثوا كتابة انقلابية في بنية الشعر العربي لان خصوصية الشعر العربي ليست خصوصية شعر رامبو او غيره من الشعراء الفرنسيين، او الانكليز، او الالمان، فلكل لغة عبقريتها الخاصة، وعبقرية اللغة العربية لا يمكن ان تقرأ إلا بعبقرية اللغة العربية، أما ان تسقط عليها بعض الايقاعات من خارج اللغة العربية فإن هذا سيشوش على الابداعات الشعرية.
وأضاف عبدالرحمن بن زيدان: «انا اقول ان افق الكتابة لدى قاسم حداد مرتهن بمجموعة من الاكراهات, وهذه الاكراهات يمكن بها ان نقرأ التاريخ العربي الذي لم يكتبه التاريخ العربي, القصيدة العربية المتخيلة وببلاغتها صارت تكتب عن تاريخ الشعر العربي، كما ان المسرح العربي يكتب عن التاريخ العربي، ولكن ليس تلك الكتابات الميكانيكية، الكتابة المسجلة لما هو موجود، ولكن تلك الكتابة التي تفتح الآفاق على كل محتمل، والقصيدة لديه (أي عند قاسم حداد) تفتح المحتمل على محتمل وهذا هو الشيء الجميل، وهذا المحتمل هو الذي يضاف إلى تجربة «الشعراء في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج», وقال بن زيدان: «ان ما استمعنا اليه من خلال القصائد (لا اقول المقروءة لأن الشعر لا يقرأ ولكن الشعر ينشد، وعندما نقول ان الشعر يُنشد يؤخذ بعده القدسي لأن الانشاد هو حالة ابداعية لدى المنشد ولدى متلقي هذا الانشاد، عندما استمعت إلى هذه القصائد تبين لدي وهذا ما اقتنعت به ان الشاعر قاسم حداد يبحث عن الآخر المفقود فيه, عن أمين جواد، يبحث عمن يكمل صورته الشعرية، عمن يكمل ابداعية الصورة الشعرية، في هذا الآخر المفقود سواء كان هذا المفقود شخصا، أو المفقود وطنا أو المفقود عالما، إذن هذا المفقود هو ما يؤثث به قصائده الشعرية ويمكن ان نتبين هذا من خلال قراءة قصائد قاسم حداد الذي يمكن أن نسميها بذخيرة قاسم حداد، وذخيرة كمصطلح عربي أي مجموع الشعر الذي حقق به شعر الشعر العربي».
عضو الملتقى حمود الشايجي قال انه يتفق مع ما قاله قاسم حداد لكنه رأى ان الشاعر «يفرض على الشباب شكلا معينا او قالبا بذاته وهو الذي خرج عن قوالب الشعر المعتمدة»، وعلى ذلك رد ضيف الملتقى قائلا: «انا لم اقترح شكلا، انا اقترحت شرطا شعريا مطلقا، كون لا علاقة له بالشعر العربي أو التجربة العربية ولكن اهمية وعينا باللغة التي تعبر بها هذا هو الشيء الوحيد الذي أؤكد عليه وهذا ليس اقتراحا شكليا ولكن اقتراحا جوهريا لان النجار لا يستطيع عمل مقعدين من دون خشب، لكن لغويا يتعلق الامر باللغة ويبدو الامر أكثر خطورة وأكثر جوهرية لانك يجب ان تعشق اللغة لكي تخلص لك وتبادلك الحب لانه من الصعوبة ان تعطيك اللغة من لياقتها دون ان تشعر حقيقة انك عاشق لها وليس شخصا عابرا او يتعامل معها بخفة، وهذه حقيقة لأن العلاقة باللغة هي علاقة روحية».
وقال: «لذلك انا لا اقترح بهذا المعنى شكلا مسبقا للتعبير الشعري، اقترح سؤالا مطروحا في المطلق، لأي درجة هذا الشاعر متصل بلغته ومدرك لجماليته وقادر على اكتشاف مكتنزاته لكي يعرف فيما بعد أنه من الذين يكتبون الشعر بحساسية جديدة، لكن من المؤكد انني لا أستطيع وضع شكل مسبق».

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى