لقاءات

( أسرة الأدباء ) ، حقائق و تفاصيل يصعب توصيفها

جريدة أخبار الخليج - البحرين
عبدالحميد المحادين

س / لماذا كانت أسرة الأدباء و الكتاب ؟
وهل مازالت تملك جواباً عن (لماذا) هذه ؟

في منعطف الستينات / السبعينات، كانت ذروة النهوض الروحي للإنسان العربي، حيث الروح كانت مكتظة ومكتنزة بالأحلام، والحماس كان على درجة من التأجج إلى حد كنا نعتقد أننا على شفير التغيير، وكل ما كان ينقصنا هو الأدوات والآليات، وكانت الأدوات وقتها تتمثل في المؤسسات التي تحقق لنا مناخ العمل الجماعي، وخصوصاً الأهلي والشعبي، الذي كان أحياناً يشكل بديلاً لقنوات حرمت منها البلاد العربية، و بما أن روح العمل الجماعي والتطوعي هي الفاعلة، فإن الحقل الثقافي والأدبي كان واحداً من المجالات التي يمكن أن يتحقق من خلالها الأحلام. في البحرين، كانت الحركة الأدبية والثقافية عموماً واحدة من مظاهر الصعود الوطني والقومي الذي جاء من تحولات الواقع الاجتماعي و السياسي محلياً وعربياً.

وقتها لم تكن أسرة الأدباء سوى استجابة لأشواقنا جميعاً في الوسط الأدبي، الذي كان آنذاك في طور التخلّق. ولكي نكون منصفين لتلك التجربة لابد أن نعترف بأنه برغم ما اتسمت به تلك الحركة من ذهاب للحلول الجاهزة والتصورات المسبقة والحماس الطاغي بمصداقية الأحلام قبل تحققها، إلا أن أسرة الأدباء كتجربة إبداعية كانت سؤالاً صعباً وليست جواباً على سؤال. ولو كنا وعينا هذا الأمر مبكراً لتسنى لنا بحق أن نكتشف جوانب كثيرة من الأفق الذي كنا ذهبنا إليه. من هذه الناحية، يمكنني القول أن الأسرة يتوجب أن تعي دورها في الحياة بوصفها سؤالاً أكثر من كونها جواباً على أسئلة تشغلنا جميعاً، ولا يجوز أن نعتقد بصوابية جواب واحد لهذا السؤال. واستطراداً أقول، ربما كان هذا البعد النوعي الذي يتمثل في السؤال، في تجربة أسرة الأدباء، و الذي أبقاها كياناً خلافياً دائماً، هو الذي يجعلها صامدة حتى الآن في وجه محاولات التدجين والتجيير التي تتعرض لها من كل جانب. فالتجربة التي تتمثل في الأسئلة لا يقدر أحد على مصادرتها، لأنه ربما لا يستطيع استيعابها، لكون السؤال ضد القبول، بعكس الجواب الذي يأخذ صاحبه سريعاً إلى اليقين والركون. وأتمنى حقاً أن تظل الأسرة هذا السؤال الذي لا يقبل بالجواب الواحد.

س / هل كانت السنوات الفائتة كافية لتلميح الأدب ؟
هل اكتسب في البحرين ملامح حددته .. أم بقي وجهاً من وجوه أخري توائم بالانشطار ؟!

مبكراً كنت لا أتفق مع فكرة الملامح الخاصة للأدب في البحرين. فالقول بخصوصية ملامح الأدب في قري صغيرة مثل بلداننا، هو ضرب من المبالغات التي تخضع، من غير وعي أحياناً، إلى المشاريع والأوهام السياسية والإقليمية التي يحقننا بها الإعلام العربي. وهي مشاريع ليست دائماً فوق مستوى الشبهة. وإلا كيف يمكن الكلام عن ملامح خاصة بالأدب في البحرين وملامح خاصة للأدب في الكويت و مثله في الإمارات.. إلى آخره. إن القول بهذا المنطق سوف يوقعنا في مغالطات وتلفيقات لا تستقيم مع طبيعة الحياة المعاصرة التي تجعلنا جميعاً في بوتقة واحدة. أكثر من هذا، إننا لا نستطيع الزعم بأن ثمة خصوصية يمكن تشخيصها للأدب في الأردن تختلف عن الأدب في سوريا أو لبنان، وهي البلدان الأكثر كثافة وحداثة وتبلوراً.

لا أتذكر أنني قبلت يوماً مثل هذا الوهم، وقد قلت هذا في مناسبات كثيرة. وأعتقد أن الأحداث والملابسات التي تحيط بنا، تستدعي التيقظ لمثل هذه المقولات التي سوف تساهم في شرذمتنا ومراكمة الأوهام في حياتنا.

س / أسرة الأدباء كان يمكن أن يكون لها دور :

أدبي / ثقافي / اجتماعي.
هل صحيح أنها نجحت في الأول وكادت في الثاني و أخفقت في الثالث ؟!
لماذا ؟ كيف ؟

هل هي نجحتْ في الأول حقاً ؟!
إذا حدث هذا بالفعل فإنه يكفي. أما الدور الثقافي فإن الأسرة، من واقع الظروف التي تعيشها وتعاني منها منذ تأسيسها حتى اليوم، تمثل تجربة صعبة جداً، والمساهمة التي قدمتها الأسرة في سياق العمل الثقافي عموماً هي، في حساب البيدر، أكثر مما هجست به التوقعات. فأنت لا تستطيع أن تطالب الشخص أن يغني وهو في قفص و أن يعزف على الناي بأصابع مقطوعة.

وإذا كانت الأسرة قد أخفقت في الدور الاجتماعي فهذا هو المتوقع دوماً. فهي ليست مؤسسة اجتماعية. أكثر من ذلك،فإن الأدباء هم آخر من يصلح لتحقيق العمل الاجتماعي، وسوف يفشلون دوماً في خلق المناخ الاجتماعي فيما بينهم أيضاً. الأدباء كائنات لا تطاق أصلاً، ولا تطيق بعضها ولا تطيق نفسها. هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتوقعها دوماً. الأديب ليس مخلوقاً اجتماعياً، ولا ينبغي أن نتوقع منه أن يتقمص دوراً لا يناسبه. الأديب غالباً ما يصدر في سلوكه عن وهم العدو، وإذا لم يجد عدواً ماثلاً أمامه، وضع المتاريس وصارَ عدواً لذاته.

س / هل كانت أسرة الأدباء شكلاً نقابياً أم شكلاً ثقافياً ؟

لم يكن بإمكانها أن تكون شكلاً نقابياً. و ربما طوال سنوات عملها كانت تحاول أن تكون شكلاً ثقافياً في سياقٍ لا يساعدها على ذلك، بالصورة التي تتطلبها طبيعة الأشياء. والذين سيدرسون تجربة أسرة الأدباء مستقبلاً سيكون لديهم تفاصيل وحقائق يصعب توصيفها كما يحدث عادة في المؤسسات المثيلة في العالم. فعندما نتأمل تجربة الأسرة سنرى أنها كانت طوال تاريخها تقترح على الواقع إشكالية مفهوم المؤسسة الثقافية ذات الشخصية المستقلة، في مجتمع لم يستوعب، ولا يقبل بعد، هذه الحقيقة. وهذا ما كنا طوال عملنا في الأسرة نحاول أن نحققه بصعوبات لا تنتهي.

س / قاسم حداد.. الشاعر..
في البدء كل إنسان يواجه احتمالات ثلاثاً :
أشياء ينتظر أن يحققها ولا تتحقق
أشياء لا ينتظر أن يحققها و تتحقق
أشياء ينتظر أن يحققها وتتحقق
ما مساحة كل واحد من هذه في تجربتك أدبياً و إنسانيا.

* هذا سؤال أربكني حقاً، لأنه مثل فزورة تلتبس فيها الأشياء على الشخص. حقيقة لا أتذكر أنني وقفت يوماً أمام مثل هذه الأسئلة. وقد أكون شخصاً بلا هدف منظور ولا متطلبات ولا مشاريع مستقبلية. مشكلتي بالفعل إنني لا أعرف تماماً معنى أن ينظر المرء إلى المستقبل. في حياتي كلها كنت أعيش بشعور( المؤقتية )، إذا صح هذا التعبير. و لم أعتد الكلام جازماً عن يوم غد أو الأسبوع القادم، ناهيك عن أبعد من ذلك. هذه مسائل أكتشف الآن أنها كانت طبيعة حياتي. ربما بسبب عدم ثقتي في كافة المشاريع والأوهام التي تحاصر حياتنا لتأخذنا إلى الإخفاق والخذلان والفشل والهزيمة. هل أنا شخص يومي، أعيش هذه الساعة فقط وأترك كل شيء للمصادفات الخرافية تقودني. ولهذا أنا ( بالمقابل ) دقيق في المواعيد، أحاول أن أكون في الموعد بالدقيقة، ربما لأن هذا هو الشيء الوحيد الذي أستطيع امتلاكه بوضوح، لأنه يحدث الآن، فبعد هذا الموعد لا أعرف تماماً ماذا سيحدث، فليس لدي برنامج له. وهذا ما يجعلني أيضاً عنيداً إزاء أية محاولة لإجباري على الذهاب إلى مواعيد أو المشاركة في مشاريع لا أحبها. إنني أحاول أن أفعل ذلك، لعلي لا أفشل دائماً.

من هذه الشرفة، لا أكاد أتذكر الأشياء التي تحققت وكنت تمنيتها. لكن بالمقابل فإنني إذا تحمست لتحقيق شيء مع آخرين تجدني مندفعاً لذلك بحماس أطفال ما بعد الدرس.

س / قال طه حسين : في بدايات النهضة الحديثة استيقظ الشعر والنثر، وركض كلاهما : الشعر إلى الوراء و النثر إلى الأمام.
هل العودة إلى الينابيع ركض إلى الوراء.. وهل الاندفاع إلى الأمام ينقض ذلك ؟
كيف يستطيع الشاعر.. بالشعر أن يخترق هذا وذاك ؟!

بالشعر، أعني بالكتابة، يستطيع الإنسان أن يمتلك الكون. وهذا ما كنت أفعله طوال الوقت.
وفعل الاختراق الذي تشير إليه أنظر إليه الآن بوصفه فعل مجابهة الواقع لئلا يخترقني. بمعنى إنني أتحصن، بالاختراقات الفنية، ضد محاولة الاستلاب التي يهاجمني بها الواقع بشتى تجلياته. من هنا لم يعد النثر كحد فني والشعر كحد آخر، تخوماً في طريق كتابتي. على العكس إن هذه الحدود هي بمثابة الآفاق التي تغري بالذهاب، بلا تردد، إلى ما لا نهاية النص. ليس في الكتابة تقهقرا أو هروباً، إنه ضرب من الاستسلام للحلم، ففي الأحلام فقط نكون صادقين. وليس في الحلم خريطة و تضاريس جغرافية أو حدود فيزيائية. ليس ثمة نثر، ليس ثمة شعر، إنها الحياة فحسب.***

السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى