وجــوه

نص العرض المسرحي
الدخول

منذ الدخول ـ أضواء عامة شاحبة في الأرجاء.
في محيط الأبصار لا نلمح سوى الأبيض والأسود، مختلفان متآمران، يكمن خلفهما ما لا علم لنا به.

حين يستكين كل ذي مكان في المكان، يهرب الضوء الشاحب متمهلاً، ليفسح لعتمة موحشة سطوة السيادة.

ـ ظلام ـ

ثم من عمق التكوين تنبعث الموسيقى فيما المكان رهين الظلام.
ينهار الأسود، فتبدو غابة أحداق مشتعلة.. وتباعاً يرسل السقف وجوهاً بأحداق متأرجحة.
تنجلي الموسيقى عن أصوات غامرة.

غابة أم بشر !!
هذي الوجوه التي تؤرجح أحداقها في زجاج الفضاء.
بهجة أم كدر ؟؟

( يشتعل الموقع بالحقيقة والخيال )
ثم


(حالة أولى)

الوجوه

تدفقوا من صخرة تشتعل، لتراكم الأرض وتلمس أطرافكم.
راياتكم كوفية البيت، وثيابكم حزن ثاقب.
موشحون ببسالة الذهب نحو تخوم الخريطة وفجوة الأرض.
تحزمون المدن، بشكيمة الحجر.
تحرسون الأحلام المذعورة في نوم الأطفال.
تقذفون بقناديلكم نيازك تبغت الغافل والمأخوذ والشريد والنائم.

الموقع
فضاء ورقي أبيض ـ مثير للإختراق ـ يتجلل لاحقاً بالضوء، فيما يرفل الموقع بظلام شامل.
في ركن آخر نلمح شخصاً بتكوين في هيئة التمثال المفكر.
إنه : ( الغريب ).
( تسري الموسيقى ـ ثم صوت برفقتها )

هنيئاً للذي يلهو به يأس
ويحرسه رماد غادر
ويقول للموتى :
صباح الليل... يهذي
ساعة الهذيان، تفضح موت موتانا
وتمنح كل مرآة خيانتها
صباح الليل للموتى.. إذا ماتوا !

( يهمد الصوت والضوء ـ ليبزغ ضوء جديد آخر. الأصوات 1، 2، 3 وزهرة، يقتسمون الأرجاء المحيطة بالغريب، ويتناوبون الإدلاء. )
يؤثث طريقه بأشباح في رهافة الريح. حوذي يغتاظ لضراوة الغبار حول مواقع خيله. ما كان له أن يغفل عن رعشة الغريب.
غريب سهر الليل يملأ الأفق أحلاماً ومناديل. بينه وبين الطريق بوصلة ثملة وأسرى مجللون بالبياض.
يضع في قميصه القديم نقوداً مثقوبة بنسيان الدول وذاكرة الناس.
كتب الليل حتى منتهاه. قاد عربات السهوب ومحطات الثلج، وعندما شغفت به زهرة الغابة ترك الخيل ومواهب السفر، محتقناً ببريد النوم، حيث الكتب بلا ذاكرة ولا نسيان.
يرى الذئب الحزين فيصاب بالغبطة. لأجل هذا هجر خشبته المقطورة بالريح، غفل عن سفيرة الذئاب، مأخوذاً بوردة الجوع.
أيها الحوذي الأرعن بينك وبين الخيل أكثر من الرفقة وأقل قليلاً من السلالة. معقود في أسمالك الشعر ترفل في خطر شامل.
لا تتركوه وحيد الكتف موغل في الليل كمن ينتظر عدواً يشفق. يدفعونه إلى جلوس هو الذي لم يطمئن لقاعد ولا قاعدة. عيونه تكسر الأفق. ولكن..
كلما غسلوه بالحديد، كلما منحوه لشكيمة الغابة، كلما إحتفت به النصال، كلما إنثنى ليرأف بأعدائه، كلما كان يصغي، كلما كان ينسى، كلما الجرح والهوى، كلما الميل والتعديل.
لم نصادف حوذياً مغروراً مثلك.
أحببناك مثل مناديل الوداع المرنقة بدموع القاطن والمسافر.
أيها الحوذي الأرعن الجميل : آن لك الكشف، فضيحة لك وفضيحة عليك.
( تنبعث الموسيقى ـ تحولات تنتاب الموقع، وتطال الضوء والأشخاص ـ فيما يبدأ الموقع في التهيؤ للقادم ).


حوذينا الجميل.. يا حوذينا الجميل..
إرفق بنا وصدقنا
حوذينا الجميل.. يا حوذينا الجميل
إرفق بنا وصدقنا.. حوذينا الأرعن الجميل.
ليس ثمة سفيرة في إنتظار خيولك
غير هذي القلوب المرتعشة،
يا حوذينا ذو الإسم الباهر..
إرخ لخيولك قليلاً وإصغ لزفيرنا المكتوم،
وإغفر لنا كل ذلك الحب

( يغمر الضوء الفضاء الورقي، لنلمح غابة بشر )

كنا نختفي في جثة النسيان
نذكر أن عشاقاً لنا كانوا هنا
وإستأثروا بالفقد.
سابونا على أوهامنا وتقلصوا عنا
وأهدونا إلى أسلافنا.
لو أنهم ماتوا قليلاً قبلنا..
كنا تمهلنا قبيل الموت
أو كنا قتلنا بعضنا
كنا مكثنا في خطايانا
وأجلنا مكاشفة العدو لعله يعفو
ويذبحـنا برفـق.
علنا نخفي عن الجيران شهقتنا
نكـابر
ننـتحـي في ركن خارطة وننسى هجرة
ونغض طرفاً عن منافينا وننكر جرحنا
كنا تشنجنا على أكبادنا
كنا كتمنا،
لم نكابد غبطة العشـاق
أو كنا قنعنا بالخسارة كلها
لو أنهم......
موشومون بذخيرة الكتب. يأتون من دماثه الليل، ذاهبين لفضيحة الجهات.
لوقع أبصارهم رهبة الغابة وغرور الأوج.
ما من سفر إلا وإنتخب لهم وحشاً يهذي،
يهيمون مثل ماء مجنون.
( يخبو الضوء في الفضاء الورقي إلى النصف، فيما تضاء شاشة في عمق المسرح، مبقعة بالوجوه )

واحداً.. واحداً..
كل هذي الوجوه الصغيرة أعرفها.. واحداً واحداً..
والطيور الحبيسة مشحونة بالمرايا وموعودة بالصور
تأمل.. ستلمس غبطة أغصانها وهي تحنو على النهر مكتظة بالشجن
تأمل.. لأكتافها خصلة سوف تبني عليها العناصر أحلامها
واحداً... واحداً..
كلما هيأ القتل والقيد أسطورة
فز في شمعدان الطفولة وقت الصلاة.
إنتظر أيها الفارس الرخو، هذي الوجوه الصغيرة تعرفها.. فأنتظر..

( تختفي الوجوه ـ تظل الشاشة مضاءة ـ تتدلى مجموعة كبيرة من وجوه ( التشكيل ) في أرجاء المسرح ).

يرفعون أسمالهم في طليعة أصواتنا
يقتحمون الطريق، فنشعر بدبيب الوحوش في زفيرنا، فيما نرقب الخيول يعوقها الإنتظار.
( صوت (1) مخاطباً الغريب في هيئة التمثال )
أيها الغريب
هذا نهارك المشحون بالعمل والمكتشفات
في أصابعك شهوة الباب
أنت الواحد القليل
تتكاثر كلما دلفت في رواق
حيث الذخائر يخبئها لك شخص
لا تعرفه.. لا يعرفك
وبينكما ألف عرس وألف جرس
بينكما حرية الهواء :
عضلة مفـتـولة في الليل
مقـتولة في النهار
أيها الغريب
تلك الصخرة المشتعلة في الأعالي
منذورة لكتف ما
جسارة الحلم لك
ولك إحتضان الصخرة
أيها الشـاحب المشرد الوحيد.

( يسري الضوء في الفضاء الورقي ـ فتبدو خيالات ظلال بشرية ـ بقع ضوئية أمامية تتساقط على الوجوه المتدلية في أرجاء المسرح ).

أدخل في الخدر أيها الفارس.. أدخل..
بين وركيك مدينة ومهاميز وقتل كثير
ساحاتك يهندسها روم كثيرون، لأجل القتال.
تجرجر جثتك المكابرة.
بين كتفيك بيت تلعب فيه الجيوش
ويغشاه نحيب القلب..
أدخل..
ادخل غموضك ولا تتوضح ولا تهتم..
تتصاعد من أعضائه المناديل ملطخة، ويهفو لمكبوت يتكشف في جسد تكسره بقايا الروح، وأقرب أحفاده يأخذه الوهج.
من أين جئت بكل هذا، ليس في الجسد، ليس في الروح ؟
( ينهض الغريب متجولاً، مأخوذاً بتجليات الأداء وعنفوان الحالة )
كنت القدم العارية،
كنت أسئلة الكهرباء، كنت نحيب الأبجدية،
كنت التميمة وصمت الناس.
كنت أستجير من المخلب بالناب.
كنت أصقل الرسغين بمعدن الحرس.
كنت أمشي في لزج ومائع ومتهدل ورجراج
كنت أحرث في ملح،
وكنت أعرف.
الخاسر لا يـخسـر شـيئـاً !
كأنه يسمع.. كأنه يرى ( فقط )

غابة أم بشر !
هذي الوجوه التي تؤرجح أحداقها في زجاج الفضاء
بهجة أم كدر ؟؟
ليست نزهة.. من يعرف ؟
مخلوقات مشحوذة المخيلة، تطلق أخلاطها في رؤوس الطرائد القادمة من الأصقاع.
أنظر إلى الناس،
مكتظين ببداهة لا يقدرون على إعلانها
أشباح تتكيء على رماد بـارد..
( الغريب يقترب من الفضاء الورقي الأبيض متأملاً ملامساً كمن يجس صفحة للكتابة أو جسد الحبيبة / أنه أمام الكتابة والحب / يحرك أصابعه على البياض، كأنه يكتب شيئاً )
لكأن ما أراه من بياض هو الكفن المنتخب.
من يعرف !!
إنتفض أمامه كطفل مخطوف.
( الوجوه ) تقدم !!
الوجوه
الوجوه إستعارت حياداً من الماء،
إستدارت لتخلع أقنعته من هواء.
( فجأة تبرز على الشاشة حروف القاف بخط الثلث بأوضاع وتداخلات عديدة كأن كتابته تتجلى الآن ).
هل أنا في الحرف الأول، في الكلمة الأخيرة ؟
( الوجوه ) تقدم.. ناس الغابات يعيثون فساداً في البيت.
من سيغفر لي،
إن أطلقت غبار الخيول الوحشية
في هذا المدى الفاتن ؟؟

( ينثر الغريب حواره حول وقرب وبين الأشياء )
جنس له رائحة الطلع.
أحفاد وضعوا كواهلهم المتعبة على أصول الأشجار
أطفال يضعون أدواتهم عند سفح الغيم
يؤثثون الكتب بأسمال موروثة من سماء قديمة،
وينشدون مزاميرهم المذعورة..
يتكلمون / فتنهض معهم اللغة، وتختجل الكلمات العذراء، مثلهم من يؤسس الأبجدية، ويدفع المعنى إلى السديم.
( الوجوه ) تقدم !!
ثمة حديد يحرس المداخل، ثمة شعب من قلامات البراكين.
جحيم يسمونه بلاداً،
حيناً يقال له الوطن،
وغالباً يحمله المرء مثل خيط من الأوسمة.
قيل إنه الوقت والمكان،
يتراءى مثل الحلم فيما يكون وهماً
يتمارى فلا تدركه البصيرة ولا يطاله الكلام.
لن تعرف أبداً ما إذا كنت سيداً في هذا الجحيم أم عبداً.
ليس لك أن تقول باللغة،
وما أن تقول بيدك حتى ينالك القصل،
ففي الجحيم ( الذي لا تسبقه جنة ولا تليه ) أنت في المهب
مزاج الريح يعصف بك،
ومزيج الحرية يدفعك إلى التهلكة.
ذاهب لترجمة الليل..
ذاهب في وطأة الجب
وعذاب القميص
وجنة الذئب.
ما كان لك أن تبذل جسدك لمهب الحب الصارم،
مثلما يضع الفارس شغافه في شفرة السيف..
ويحـلم بالنجـاة.
أنا الواقف على شفير الحب.
أنا الخارج من صبر الناس،
أضع روحي في المهب معلناً موهبة الحوذي.

كأنه يسمع... كأنه يرى
يازهرة الناس كلما وضعت يدي عليك
غاصت كأنها في ريشة السديم
جرحك جهة تحج إليها الجيوش، تتدفق فيها الأنهار
ويصاب بالفقد كل باسل
يتوهم النصـر أو يتوسم الهزيمة.

هل أنت هكذا دوماً في الملمات، تحسن اللهو
وتتبادل المرايا مع مريديك حتى الإنتشاء ؟؟
أنا الواقف في هاوية هائلة، أكتشف الآن بأني سهرت العمر أنسجها لخطواتي نأمة نأمة وأزعم أنني القوي المقاوم القادر على المجابهات.
أنا المخلوق الأضعف بلا يقين ولا حجة، كابرت مثل جبل يجهش
وها أنا الساعة أقف أمام الكائن الكامن مثل فضيحة في قلب الكاهن ساعة تطرق باب النهاية أمامي وتأخذ يدي بحنان الجريمة وكسـل الأفعى لكي أسقط مثل عروس تفقد عفافها أمام الجموع في ساحة مفتوحة... ولـلـنـاس دليل الـدم !!
( الوجوه ) تـقدم !! تـقـدم !!
تـقـدم.. نعد لك الأعراس والمراثي
نشد أزرك ونسنـد خـاصرتك بالسـكـاكـين
تقدم !! ما أبهاك وأنت إلى الكتابة.. كأنك إلى القتل !
ذهبنا إلى الساحة بوهم الأعداء، لنجد الأحباء في إنتظارنا بالنصال الرهيفة، لنسقط معاً في حالة الإحتضار.
نحن أحبابكم الخاطئون، نسمع نشيج عناصركم
ينبعث من جوف الصخرة المشتعلة.
تصعدون الأقاصي الشاهقة.
تنقذون الماء من السكينة وتجرعون نبيذ الهجوم
لتفزع المدن المستسلمة.
من سواكم فيما تخرجون على خريطة الأرض،
تخبطون غفلة الناس في مدن أسلمت قيادها
لأكثر الطغاة أناقة وتيهاً ومباهاة ؟

تسألنا الأرض عن العرس الذي وعدنا به،
فنتلعثم ونختلج
أفواهنا مملوءة بالتراب
لا نعرف هل كنا نقبل الأرض
كي تصفح عن سـهونـا
وغفلـة قلوبنا
أم كنا نكبت صـرخات الـذعـر !!

( الغريب يخترق الفضاء الورقي الأبيض )
ثم
( يهيمن الظلام )


حالة ثانية

(الفقد)

( موسيقى بصحبة همهمات بشرية / فيما تتصاعد/ تنغمر شاشة المسرح بإضاءة خلفية ـ خيال الغريب في وضعه المعروف يبدو على الشاشة ـ فيما تنتصب اجساد امام الشاشة متوزعة المسرح لا تبين ملامحها/ خيالات على الشاشة تبدو في شكل الأفاعي تجوس حول الغريب في أرجاء الخشبة، مع الغناء تتدلى الوجوه متأرجحة في ارتفاعات متفاوتة ).

لك النهـر وشـكله
الريح وقميصها الأخير
أخرج من النوم، وأخرج عليه
تصادف طرقا مسقوفة بالرعب
فأحرسها بزعفران المرايا..

( خيال الغريب ينهض متواريا فيما يظل ضوء الشاشة / فيمرق ظل صوت (1) ليبرز على الخشبة متقدما بحواره نحو الصالة، فيما تبدأ الأجساد المنتصبة في الحركة وتزداد الوجوه المتدلية تأرجحا ).

سيد من سقط القبائل ويحسن الفر،
ينداح.. ينداح ولا يخطىء الهزائم.
مرة هاجت يداه في غفلة وسأل الذبيحة عن وليمتها،
مرة هاجت عيناه ولم يزل.
كلما اوشك على الكر،
إنداح مثل قذيفة تعرف أهدافها
تفر اليها.. تفر ولا تصل.
( خيالات عديدة نلمحها على الشاشة / بشر ـ أفاعي ـ رماح ـ امرأة )
حوله عشرون غولا يتطاير من أطرافهم شرر عظيم
وبين أكتافهم تتهدل أسمال مضفورة
رؤوس كما لو انها أفاع مسدولة.
أفعى.. وأينما أدرت وجهك رأيت أفعى..
( يضطرب المسرح بمن عليه ـ حالة من الهياج والمطاردة، الوجوه المتدلية تتأرجح بشدة في كل الإتجاهات ـ الإضاءة الصادرة من شتى المواقع تمارس نفس الحالة / أنها حالة من العصف تطال حتى صوت (1) موسيقى تؤجج المشهد ـ دخان.. الخ )

أنا قرين الوحشة / منتصف الهزيمة / قاع الوهم / جنس الندم
أسنان الأهتم / ولع البهيمة / طنافس الشيطان / جهامة العسس
هودج النوم / خسائر الليل / غنج الذبيحة،
أنا الجثة الذهبية، في ثناياها هوام شرهة لا ترحم،
لدي من الحقد ما يكفي قطيعاً من الذئاب البيض، أنا شاغل
النيران ومشعل الفتن / متعهد الهشيم / جامح الدم / متجهم القلب
خدين الشياطين، آن لى أن أعترف الساعة أني ضبع يولغ دماء
القتلى بأشفار مرتعشة شبقا، وأنيابه تكز على عظم الجثة

( الشخص يقتاد زهرة فيما رجلين يهيئان لوثقها تكوين بهيئة خيال مآته او ما يتناسب/ رجال مدججون بدروع على هيئة وجوه يحشرون الجموع بها في ركن مقصود ).

باسـلون في مديح النيران. كل موجة من الوقت النـاصع نسميها رقعـة القتـال.
موغلون في المذبحة. ملطخون بالعناصر وريش الضحايا.
كل مخيم يمنحنا أسماله لنطمئن ونثق، والحوافر تبذر قمحها الفاسد في طين الناس.
لم تكن اخطاؤنا أغلى
تماهينا، شحذنا نعشنا
وسمينا هوانا كاسر النسيان
أرخينا مراثينا،
لئلا يعرف القتلى طريق الموت
لئلا تشفق الرؤيا على أخطاءنا.
( يجمد المشهد ـ فيما تبقى الاضاءة المضطربة لحظات على ذلك الحال، ثم تجمد ـ لحظة تأمل للوحه الجامدة ـ ثم يتلاشى الضوء تماما ـ ثوان من الظلام ـ يليها بقعة ضوء مفاجئة صادرة من خلفية الأفق الورقي الأبيض، لنتبين الغريب في وضع جانبي " بروفايل" مؤطرا ببرواز الفجوة التى أحدثها عند اختراقة فضاء الورق ).

يحضنك الفك كأنه رأفة القصل.
تحسب أنها الأم تنتخب لك المهد،
فيما هو لحدك المحتوم.
فالحب قبر أحيانا،
يرصدك رصاص يطيش خلف خطواتك،
تظن انها بهجة الطبيعة
وهو هلع يرصد لك الخطوة والطريق،
فالقدح يغلب الماء أحيانا،
واحيانا تبرد اطرافك بفعل الوحشة،
وحدك في كهف،
تقرأ كي تخدع النوع لئلا يستفرد كابوس الوحي برأسك،
فالماء يحايد أحيانا.
لماذا تنام وتتيح لأشباحك حرية المخيلة وسلطة الليل
لماذا كلما انتابك الذعر هفوت بأحلامك الى حب يسبق الموت ويليه.
هل لديك اسـماء واضحـة لشمس أيـامك؟
هل لديك أيـام لا ينـال منها الوقت ولا يطالهـا المـكان ؟
( يـنـهـض الغـريب ويتـوارى )

إظـلام مفاجىء

كـأنـه يسـمـع.. كـأنه يرى !!
(حالة العصف على المسرح تعود كالسابق مع الاضاءة ـ اضطراب شامل واصوات/ تكوين مجسم يوحى بالخارطة ينهمر من سقف المسرح ليصير خلفية عامة للمشهد)

موغلون في المذبحة/
ملطخون بالعناصر/
جوقة تعزف البراكين
ناس الغابات يعيثون فسادا في البيت!
ملطخ بالخطايا والأخطاء، لا أشحذ رأفة وليس لكم ان تكترثوا بأمل ما. ما من برهة للفر في مجد المراثي وصرير النعش وسلطان الليل.
أطفال يرفعون أسمالهم في طليعة اصواتنا.
يقتحمون الطريق الملكية!!
ليكن منكم الحفارون ثابتوا السواعد برفوش تطال
العمق من الأرض، وليكن منكم طغاة يحسنون التجهيز بدقة الصائغ وبصيرة العالم، ليبدو الجناز صارما
والنهاية مهيبة، فكلما تصاعد القتل في مكان،
صار الجسد مليك المجابهات، سيد التجلي:
الجسد/ (تتملك الشخص حالة الهذيان الباطش)
حـديد طري.
الجسد /
حنين يأخذ شكل الحروف.
الجسـد /
حب يتلاشى في زئبق الندم.
الجسد /
حيلة الطين لئلا ينجو من الماء.
الجسد /
حالة الذهب في مديح النيران.
الجسد /
ذبيحة الجسـد.
لنا دلالة الحزن والدم درج لمراراتنا
لا النيران تغسل القميص
لا الذئاب تألف الجب
لا البحر يسعف السفن
ولسنا للنسيان..

(فيما الغناء جاريا.. تشتعل الشاشة بمؤثر النيران القادم من الخلف وفعل الاضاءة الصادر من الأمام ـ يرتفع تكوين الخارطة المشرشر الأطراف السفلية ببطىء ـ الشخص وأتباعه الرجال يحملون الجموع على شكل جنائز يدورون بها في أرجاء المسرح فيما يدخل آخرون حاملين توابيت (بوسعد).. هنا يكون صعود مجسم الخارطة قد شارف الأعلى، ليمتزج مؤثر النيران القادم من الخلف بمؤثر البحر / رويدا رويدا تتلاشى النيران في البحر الذى يغمر الشاشة ـ عندما يحدث ذلك يكون الموقع قد خلا من كل العناصر ـ عدى زهرة نلمحها عند الزاوية العليا من الشاشة موثوقة الى خيال مآته او ما يتناسب... من المحبذ أن يتم ذلك عندما تصل الأغنية الى : لا البحر يسعف السفن ولسنا للنسيان !! )
" جميع ما تم ذكره يتزامن تطبيقه مع بعضه في دفق واحد. "

( هدوء يسود ـ ضوء تدريجي البزوغ يتسلل ناحية زهرة الموثوقة ـ فيما يخفت مؤثر البحر قليلا.
بقعة ضوء مفاجئة تتسلط على الغريب في الموقع الأول ـ نلاحظ أنه يسند خديه على ظاهر كفيه ـ مغايرا هيئة التمثال الشهيرة / يقترب منه صوت (1) مخاطبا في صيغة تبدو تهكما )
ها أنت، مبذول لعبور الصواري، والقبر حصنك الأخير.
لست إلا فزاعة المدينة، ترى في الرمل المذعور جيوشا تقودها
نحو البحر.
لتفتح الساحة امام تجار يتماثلون وبحارة ينسون حرية الأعماق،
فيصابون بخناق الماء.
مثلك لا يقف هكذا مذهولا مفتوح الجراح، شرفاته مباحة
للغربان وأقداحه مسكونة بعناكب الكهوف.
مثلك يصلب في الصارية.
(موسيقى مباغتة)
(فجأة تنطفىء بقعة ضوء الغريب وفجأة مع موسيقى مباغتة ينتصب على الشاشة خيال صارية تتأبط جسدا ـ موسيقى خلفية ممزوجة بآهات يواكبها ضوء مركز على وجه زهرة).
في نزهة الضياع.
سمعت المرأة صرخة ولدها الغريب
كأنها تلده الآن
رأته فيما ترى الثاكل
أعضاؤه تحت آلة ضارية
وهو يمزق قمطه بصريخ يفزع البهو والأروقة
تزيح خشب النافذة،
تزيح حجر الطريق
تزيح صخرة القبر
لنرى امرأة مصابة بالفقد..
(موسيقى مباغتة)
" من أعطاك كل هذا الحديد والدم والفداء المفقود.
ألهذا إدخرت دمك ولحمك
ألهذا ركضت بك وضللت النصال لئلا تطالك
ألمثل هذا صددت عنك الضباع
ما كان للماء الرؤوف أن يصير وحشا عليك
كانت حيوانات الشمس ورائي
وأنا أطويك في المكان الذى لا يطالونه
وحين عبرت النهر
أيقظت لك زرقة النوم
ورأيت لك نيزك الحلم
لكنك الآن في الغدر
في الغدر والمؤامرات.
هل أنت يوسف.. وإخوتك لا يحصون" ؟
( فجـأة معا / حوار وبقعة ضوء كبيرة على الغريب محـاصراًً بالأصـوات والجـموع )
أخرج من النوم... وأخرج عليه !!
( ينتصب الغريب مباغتا من حوله بأداء متصاعد/ مبيحا لحركته وخطواته كل المواقع، وتطاله الجموع بحواراتها مقتسمة معه المواقع ليبدو في نهاية الحوارات محاصرا من شتى الجهات )،

دعوها
هذه الوحيدة في البحـر
تأخذنا لجرحها الفاتك وتعطي غرورها بهجة الأشرعة
الوحيدة في البحـر ؟؟
دعوها
تسورها شهامة الأسماك
وتفخر بها الصواري المنتورة مثل رسائل الماء.
الوحيدة في البحـر ؟؟
لأجلها مدحت الأبيض
آخيت حجر الميناء وصليت لأجلها.
الوحيدة في البحـر !!
تضرعت أن تظل وحيدة تكسر الريح
وتعيد لموج الهجوم خيولها الجامحة
لتظل وحيدة مثل حصن.
لكنها تبذلت أمام مبعوث السماسرة
لهت بصرير المصارف
وخذلت بسالة النوارس متكاسرة
وهي تمسك ذيل فستانها الأزرق.
الوحيدة في البحـر !!
دعوها
وحيـدة في البحر
لعلها في الترك ترأف بطفلها الشارد الوحيـد.
الوحيدة في البحـر
تنساني وتتذكر المستقبل وتلهو
فيما أبتكر شهوة السفر والمغامرات لأجلها
أعطى دمي لجنون الموج
لأجلها،
الوحيدة في البحـر ؟!
لأجلها...
تحاجزت مع الحديد المترف
وفتحت أعضائي على النار
لئلا ينتابها الغزو لئلا تصاب بالحجر
الوحيدة في البحر؟؟
منحتها القلب تمرغه في طين الخنادق
وتقيس الأصفاد على مرفقي
وتلهو ( تدريجيا يبطىء التمثال أداءه المتصاعد الى " ديميوندو" جارح )
منحتها جسدي تجرجره من قتل الى قبر الى مقصلة
( التمثال يجر جسده ناحية قاعدته )
وها أنا قاب قوسين من الفقد
وهي تلهو بي وحيد القلب والجسد والشفتين
أحسنت لها المديح، لعلها تمنحني الرثاء.
(جسد التمثال يتراخى بإتجاه الأرض)
ستذكرني في نسيانها.. وحيداً
شحذته المعارك وغرر به الولع.
(ينهار التمثال مكوما على ركبتيه بجانب قاعدته الشاغرة)

أخيراً وحيدة البحر وحيدة..
حيث لا يكون الوحيد موجوداً
وليس في البحر قرصان تكاتبه
ليسعفها بغارته الأخيرة..

(تتضافر العناصر الفنية والبشرية على تهيئة شكل مهيب يجسد الحالة التالية)

بلادك أيهـا المجنون،
سـاحـة حربـك الأخرى..
خطيئتك الجميـلـة..
فانتخب أعداءك الفرسـان.. قاتل،
وإنتظـر وإهدأ..

فهذى وردة للكأس سوف تقول للأطفال عن جسد،
تماثل واصطفى موتا،
وأبكى غفلة النيران
بلادك أيها المجنون..
أيها المجنون.

إظلام وصمت


حالة أخيرة

(الباب)

( تكوين ضخم حديث الاسلوب على هيئة وجه بشري مقسوم من وسطه نصفين يشكلان ضلفتي باب موارب، ويقبع في حيز شاسع من المسرح. يتميز بعينين واسعتين فيهما حدقتان براقتان وشفتاه مخاطتان بحبل من مسد/
إضاءة خافتة تستكين على الباب الغارق في العتمة وإضاءة أكثر وهجا تغمر الجموع المحتشدة في أوضاع مختلفة أمامه وحوله )
أيها الباب الموارب
غير مكترث بوحشتنا الغريبة
وهي تهتف في النوافذ واصطخاب الروح.
(صوت رقيق هامس آسر يصدر من خلف الباب فتصمت الجموع معطية سمعها للصوت الذى بات يرسم على الوجوه تعابير وردود افعال متباينة /
إنها حالة تنحو للرومانسية التى بدأت الاضاءة بتحولاتها والموسيقى تأكيدانها )
( ممـزوجـا بـرذاذ من الموسيقى )
افتح صندوقك الذهبي، واسكب الجرار على آخرها.
دع الأرض تنتشي ببسالة نبيذك
سحر سرقته لك راهبات الدير في غفلة الكاهن.
اطلق الدنان
كل دن من هذا جدير بغيبوبة مكتظة مثل ثدى الثاكل
سترى صعيد الأرض مفتونا بشقائق الغموض
وهى تتفصد من الروح
كأنها الدم الخفيف بين الصمت والكلام.
( تتوقف الموسيقى وتعود الإضاءة لسابق حالها بتزامن مع صوت المجموعة )
أيها الباب،
قمصاننا مثقوبة ويداك في وحشة النسيان تمحونا
لماذا وحدنا قمصاننا مثقوبة بالقلب؟
(صمت ـ يعود الوضع السابق/ الإضاءة والموسيقى وصوت زهرة ـ فيما راحت تتأرجح الحدقتان برقة ملحوظة)
إفتح بهوك الوثير وانظر الى السماء
كأنها السرادق
كأنك الملك
لتدخل هذا الأفق ولتشمخ بحلمك،
تطلقه مثل غرة الفرس.
( تتوقف الموسيقى وتعود لسابق حالها متزامنه مع صوت المجموعة )
أيها الباب الموارب غير مكترث بنا
يا منتهانا ـ سرى ترياقنا فينا
فأدركنا مرارتنا وأوشكنا على ندم،
فقدنا منحنى أحلامنا في الوهم؟
يا باب لنا..
نأتى وأنت موارب.
(صمت/ يعود الوضع السابق/ الإضاءة/ الموسيقى/ صوت زهرة وتأرجح الحدقتان/ مع المقطع القادم تبدأ إضاءة برتقالية ممزوجة بحمراء، في السريان ببطىء شديد لا يحس يرافقها لاحقا ضباب خفيف يتسرب من خلف الباب )،
جالس هناك،
ترى مستقبلك الشاحب
كمن يلمح ضوءاً تحت عقب الباب،
( بنفس البطىء الشديد/ الإضاءة الحمراء تشرع في الهيمنة ).
تذهب إليه،
تفض ذهبك المختوم ونبيذك المكبوت
تبالغ في الشهوة/ لكن!!
ليس لك ان تنجو من الخاتمة
فليس ثمة نهاية لنص
فأسكب لنا وإشرب علينا
وليكن جسدك القدح
وروحك الخمرة الشريفة.
( الضوء الأحمر يغمر كل الأرجاء وينبعث الضباب بكثافة شديدة من العينين الكبيرتين ليتسرب الى عموم الموقع ـ فيما يزداد تأرجح الحدقتين ويبدأ الوجه في الصعود عاليا.. كل ذلك يتم خلال اللوحة القادمة، مع تبدلات في الإضاءة ).
أيها الباب الموارب.. غير مكترث بنا
إغفر لنا وإسأل وصادقنا قليلا
هل تمادينا وبالغنا بحبك كل هذا الليل
كي يأتى عليك الوقت تنسانا
نحن الذين إنتابنا ماء العناق وساعة الرؤيا
وأنت موارب
هل نهفو اليك وأنت في غيبوبة الرؤيا
ترانا، دون ان تحنو على ما ينتهي فينا.
أيها الباب الموارب
أيها المرصود والعشاق ينتظرون
قل لنا وإغضب علينا
وإمتحن وإعصف بنا وإشفق علينا
إنما لا تعتذر عنا أمام الناس
ياباب النجاة ومنتهى أسرارنا
إفتح لنا وأنظر
ولا تغفل ولا تقسو علينا
أيها الباب الموارب
جىء لنا وإذهب إلينا
( في أثناء إرتفاع الباب الى الأعلى تمارس وجوه بوسعد وتشكيلاته الأخرى إحتلال المواقع على الخشبة لتثبت في مواقعها ـ مع إنتهاء اللوحة ـ تنتصب الجموع على الخشبة كالتماثيل الشمعية في متحف ـ حزم ضوء صادرة من اليسار واليمين تصطدم بالوجوه والتماثيل وتتخلل الفراغات ـ على سطح عالٍ تجلس زهرة مزدهية بإضاءة خاصة ـ دخان يتصاعد بطيئا في الخلف، على إثره يدخل الغريب ).
دخلت القلعة، وتغلغلت في غرفة النقوش المزخرفة بموتى مازالوا يحكمون، كنت هناك تفسدين هيبتهم، رأيتك هناك تجلسين في غفلة الأرض تغزلين إبتسامة لمديح المراثي، وحين إستدرت خارجا سمعت نايا يشبه صوتك يستمهلني.
(تقف)
منذ الكرسي والمائدة، منذ الماء في مكانه، منذ الأصدقاء، منذ أقاصي إمرأة في إنتظارها.
كنت شظية القلب الضاري.
كنت أرفع قدمي من شرك وأضعها في فخ
وأنتقل وأنداح وأتحول وأنجو وأموت وأختلج،
وأفطس وأتماثل وأبرأ وأغمض وأتوضح
وأنتمي وأنفصل وأتقاطع وأعترض، وأستجير
وأبوح وأنتحب وأنوح وأبكى وأهذي وأهذي وأهذي.
من أين لك كل هذا الجحـيم المكبوت؟
( تهبط ـ تمارس هي والغريب الحوار القادم بينهما في حركة مستمرة/ بين وحول وخلال التماثيل والوجوه )
شـغفت بك،
شهقت إليك مثل الطفولة،
بحاجـة لمن يسـمع صمتي،
إحتجت لمن يبادلني الصمت.
أنا سيد الإصغاء، أصغيت حتى تجرحت حنجرتي
وأنتِ لا تقولين الكلام لوحشة القلب.
لم نعرف مكاناً آمنا للحب
هل كانت يد الليل الوحيدة منقذي
وصديقتي في الـنـوم ؟
كان الباب يوشك أن يوارب
عندما أدركته بيدين راعشتين
والنوم البعيد يمد لي تفاحة النسيان وحدي
كنت وحدك
منذوراً لغفلة الوحش عن طبيعته، وتهاون البشر،
ألم تسمع الوصايا التى لهج بها الأسلاف،
ألم تر كيف إهتبل الأحفاد تلك الغفلة وتكاسروا
على مداخل البحر؟
تجرعت لك اليأس
وقلت إنه الأمل
لقد إختلط علينا الحب بالحزن باليأس.. با...
وأنت في اليأس،
يحسبون صمتك صريخا عليهم ويسألونك.. من أنت؟
أنا أيضا، أريد أن أعرف.. من أنا؟
سينال منك الجنون،
الأسلاف يرصدونك ويجمعون لك القرائن،
ينتخبونك مثل خصوم اللّه، عدواً تتكفل به النقائض.

( دون حركات ملفتة للرصد، تقوم التماثيل أثناء الحوار السابق بحركة متداخلة، ينتج عنها دائرتان، تطوق واحدة منهما (زهرة) فتغيبها ـ فيما تمارس الأخرى نفس الفعل بالغريب ـ أثناء ذلك تبدأ الوجوه المتدلية حركة إرتفاع بطيئة جداً خلال اللوحة القادمة لتختفي كلياً في سقف المسرح ـ في الوقت نفسه تمارس الجموع التى طوقت الغريب وزهرة تعبيراً حركياً يوحي بطقوس غسل وتكفين جثة التمثال ـ بعد إتمام تلك الطقوس ترفع الجموع الجثة المكفنة بقماش شديد البياض تطوقه وتتداخل في ثناياه أحرف القاف بخط الثلث الوقور... تدور الجموع بالجثة المرفوعة على الأيادي والأكتاف في أرجاء المسرح كما يحدث عادة عندما تودع الجموع شهدائها الى المثاوى الأخيرة.

(كل تلك الطقوس تتم أثناء اللوحة وتنتهى بانتهائها)

كلما وضعت عليك عضواً لئلا تصيبك الوحشة،
انتابتني النصال، النصال كلها،
ها جسدي يكاد أن يذهب
مشغوفا بك، وأنت في الفقد.
( تغادر الجموع المسرح حاملة الجثة باتجاه قاعدة التثمال المفكر التى عرفناها في بداية العرض وظلت مكانها وإن غادرها التمثال الى مواقع أخرى خلال العرض ففي كل موقع تكون قاعدة أخرى ـ أثناء توجه الجموع لذلك الموقع يبزغ ضوء غامر كأنه الفجر من الفجوة التى أحدثها الغريب.. لحظة إختراقه الأفق الورقي الأبيض ولأن الإضاءة خلفية فإننا نلمح شخصاً مسربلاً بالسواد يخرج من الفجوة مخترقاً الجموع ناشراً حواره في أرجاء الموقع )
جثة تمرح في ذاكرة الناس
مشمولة بغنج المؤامـرات،
موصولة بجسد يتفلت من تاريخ له موهبة الميزان
وغيبوبة الطريق.
جسد لا يخلع درعه الأخير،
مثل حصن ساهر
يتبادل أنخاب الجليد في هدأة الوحشة.
وما أن تدير الجثة رأسها ناحية المشهد،
حتى يختلج الكلام في الصدور.
لا يليق أن أراكم مرتجفي الفرائص تشفقون
على ذئب ينقذه القتل.
أنا الذئب الذاهب في ليل الملجأ الأخير.
آن لكم أن تصعدوا بأبصاركم عالياً،
حيث السهوب الأخيرة،
طالعا منها، سائقا أمامي قطيعا من الوعول،
معلنا أنها إنتقاماتي.

(فيما يتلاشى الضوء في كل الأرجاء، تشتعل شاشة المسرح بإضاءة خلفية غامرة، فنرى خيال ظل المرأة التى يتبادر إلى سمعنا صوتها)
هل تزوجنا الهواء بغير أجنحة
وأقنعنا ضحايانا ببعض المستحيل
وهل لنا في مقبل الأيـام
ليل واحد يحنو؟
هل نمشى على ليل الحديد لجنة تهوي
ونمدح بالمراثي،
ربما ينهار أسرانا على تذكارهم ونؤجل الأسلاف،
هل نمنا طويلا كي نجرب موتنا.
فينالنا، .... ويؤلف الأشياء ثانية.
فماذا ينتهى فينا ويبدأ
عندما تبقى بقايانا على باب المساء
وتصطفينا شهوة المكبوت
أو ماذا سنقرأ في المرايا
هل نؤثن سورة الفتوى بتفسير يكافؤنا على الأخطاء.
لو كنا رأينا جمرة الفقدان تمدح موتنا.. متنا.

(تخترق المرأة الشاشة من منتصفها، فتبرز أمامنا بفعل ضوء خاص ينثال عليها فنراها في رداء مطرز بالحروف ـ تتقدم في خط مستقيم لتقف في منتصف مقدمة المسرح ـ تتقدم الجموع باتجاه منصة المسرح في أداء جماعي موحد)

يا زهرة الناس
هنا يأس سينقذنا من الأحلام،
نحن شهوة الفردوس
نهذي في جحيم غير مكتمل
لكي نسهو عن المكبوت.
كانوا يطمئنون على حسرتنا حينا،
يدقون المسامير
على صلباننا حينا،
يباهون بنا..
ويباهون علينا.
لو قلب لنا أغفى على كراسة الأسماء،
لم تكمل أغانينا
مزجنا ليل قتلانا بماء النوم
متنا قليلا وإنتهينا في البداية
لم نؤجل سرنا
كنا إنتحرنا قبل قتلانا
وأخطأنا كما نهوى
فلا ماء سيرثينا ولا نار ستمدحنا
( تغادر المرأة الخشبة ترافقها إضاءة خاصة.. متجهة للجثة التثمال ـ ترافقها الموسيقى الخاصة باللوحة التى ستلي لاحقاً ـ وهي تسير تردد ما يلي )
سأذهب، لكي يعرفوا أننى جئت!
(عندما تصل للجثة التمثال ـ تدور حولها ـ ثم تجلس على القاعدة الشاغرة ـ تمرر يدا على الجسد المسجى، واليد الأخرى تحضن الرأس. هدوء موحـي يسود الموقـع ـ تميل المـرأة برأسها لتهمس في موقع أذن الجثة )
أيها الموت... يا حبيبي !!
(من بعيد تتناهى للأسماع الترانيم التالية ثم تعلو شيئا فشيئا)
كل هذا الهزيع الأخير من الوقت يدعى بلاداً ومستقبلا،
كله الآن يمتد مثل التراتيل
من مات قبل الطقوس له جنة،
ومن لم يمت لا يموت.
في مهب النهارات يكبو على التل،
هذا هو الطين تحت العذاب.
إنتظر أيها الفارس الرخو،
هدهد لأبناءك المترفين بأشلائهم،
علهم يصبرون قليلاً على الموت.
قل لأحجارهم :
إن هذا الهزيع الأخير من الوقت،
هذي الجهات الكثيرة محصورة في هزيع من الموت،
لو يصبرون قليلاً عليه
... قليلاً عليه.

( ظلام يسدل أستاره رويدا رويدا خلال اللوحة/ حين يطغى تنتهى الحالات )
ماذا سيبقى عندما تنهال جمرتنا الخفية في هواء الليل
ماذا يختفي فينا
وهذا ماءنا الدموي يستعصي
وطير الروح ينتظر إحتمالاً واحداً للموت


كنا نغني حول غربتنا الوحيدة كالعذارى في إنتحاب الليل..
كنا نترك النسيان يأخذنا على مهلٍ لئلا نفقد السلوى

لم نعرف مكاناً آمناً للحب


لم تكن أخطاؤنا أغلى من الأبناء
كابرنا لكي نخفي هوانا عن معذبنا
مدحنا يأسنا، متنا
وسمينا إختلاج الروح تفسيراً
تقمصنا الهواء

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى