مجنون ليلى

( بالاشتراك مع الفنان العراقي ضياء العزاوي)
طبعة لندن
مجموعة أرابسك - لندن 1996

 

إليها من كل مذهب

روي عن ناسٍ نزلوا البيمارستانات، حكوا أن قيساً أنزل معهم زمناً، وكان أرجحهم عقلاً وأصفاهم حجةً في حضرة النطاسين قالوا عن سرٍ أفشاه لهم واستحلفهم أن لا يبوحوا به قبل موته فقد وجد في ثوب الجنون أجمل الحلل وأنجاها لكي يظفر بليلى، وأن خبر الجنون الذي شاع عنه اختلقته القصة الأولى لتمويه شعرٍ هازلٍ قاله في المهدي والد ليلى في الصبا قال (اشتكاني عند مروان بن الحكم، فلفق لي القصة شخص يشتغل في الأدب يقال له الأصمعي وراوق فيها فأسعفني من عقاب السلطان لكن المهدي لم يغفر لي ذلك وكان الأصمعي عندما سئل عن خبري نفى جنوني بصيغةٍ تنطوي على تأكيدٍ ناجزٍ، فأحسن إشاعته إلى يومنا هذا وظني أن جل من جاء من رواة الأخبار بعده لم يقبل خبر الجنون من دون الأخبار كلها وشهادة الشعر بين يديه ولكنهم وجدوا في الجنون طبيعةً تخفي أكثر مما تفصح وعندهم كلما غمضت الأخبار زاد شيوعها وانسحار الناس بها، ويقيني أن الأصفهاني نفسه قد استوثق في الأغاني من بطلان خبر الجنون ولكنه أبطن ذلك لئلا يستهين اللاحقون بما وضعه من تصانيف) ولم يلتفت الرواة للتثبت من كلام أهل البيمارستانات، حتى جاء شيخ غامض الزمان مجهول المكان يقال له عبدالرحمن صاحب الملوك واستوثق من الأمر

أخبرنا طيب العود عن ذبيح الجند قال حدثني صاحب الملوك قال كان الرواة، من حيث لا يدركون، ينقضون ما ينسجونه من أخبار قيس بما ينقلونه من أشعاره فهذا شعر لا يصدر عن عقلٍ فارطٍ، بل ينم عن سليقةٍ صافيةٍ وذهنٍ متيقظٍٍ وذائقةٍ مترقيةٍ ويشف عن مخيلةٍ غاية في الجمال والطرافة، فليس في النص اختلاط ولا هلاس مما يطبع سلوك فارطي العقل وهذا ما يرجح بأن الجنون الذي نسب إلى قيسٍ ربما كان ضرباً من ميزانٍ تضطرب فيه الصلة بين أخبارٍ متناقضةٍ تعرض عنها بديهة الناس، وتصويرٍ واضحٍ صقيلٍ يستحوذ على خيالهم بشعرٍ يفتنهم وسوف يزداد الخبر خللاً ويتهاوى ويسقط عندما نتأمل نقيضةً تظهر لنا بين القول بهدر دم قيسٍ وبين خبر الجنون هذا، فالمعلوم أن هدر الدم لا يجري إلا على الأسوياء الخارجين عن العرف من المجرمين وقطاع الطرق الذين هم في الأغلب شاردون مطاردون يطلبهم القانون ويسعى إليهم صاحب الثأر وصائد الجوائز، فكيف يصح أن يكون قيس مهدور الدم وهو في حالٍ لا تؤهله لوعي ما يفعل وتحمله وظني أن الأسطورة التي أراد الرواة إنفاذها في قصص العرب عن قيسٍ لم تلبث أن خرجت عن سطوتهم واتخذت من المسارات ما لم يكن في الحسبان، ليصبح قيس حراً بجنونه، ليس من سطوة السلطان والقبيلة فحسب، ولكن خصوصاً من الحدود التي اختلقها له الرواة وإننا نراه مايزال يمعن في هذا الخروج والتفلت

وإذا كان قيس ينشز في سلوكه ويوحش ويبدو على شيءٍ من الغرابة، فهذا من طبيعة الشعراء والعشاق، فيقبل منهم بإعتبارهم يتبعون ما تمليه عليهم مخيلتهم فيشطحون ويذهبون إلى الفتنة كل مذهب

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى