مجنون ليلى

( بالاشتراك مع الفنان العراقي ضياء العزاوي)
طبعة لندن
مجموعة أرابسك - لندن 1996

 

الأشياء

غابت عنه وهو في انتظارٍ، يجلس في غرفة الطريق أشياؤه منثورة للنسيان والتذكر، والناس يعبرون مثل الأثير ومن نوافذ أجسامهم، يرى إليها تركض إليه ولا تصل، يركض إليها ولا يصل، والناس يعبرون على أشيائه المنثورة (ريشة قطا مستدقة الرأس /خيط حريرٍ أخضر عقدته أمه في زند طفولته / خاتم عرسٍ منحولٍ من فرط الخلع / حجاب في جلدة ضبع / عود سواكٍ يابسٍ/ كسرة ياقوتٍ معروقٍ بالفحم / خرج ثقبته الريح / أشلاء لجامٍ تنضح منه ريح الخيل / وحشة) يلتقطون ما يصادف أقدامهم نسوة يجلسن إليه يستنشدنه شعراً، يسألهن عن ليلى فيخبرنه أنها فيهن وتتخفى لئلا تفضحها القبيلة فيقول إنها وهي محجوبة تتراءى له أوضح مما لو كانت مكشوفةً فيستنشدنه فيرفع صوته لعلها تراه وكانت هناك وهي تسمع، يقول شعراً يفت الجلاميد، والنسوة يطلقن التنهدات وهي تسمع، يتفجع لهن بالفلذات، وهن يستزدن وهي تسمع الناس يمرون بنوافذ أجسامهم الواسعة، يأخذون أشياءه المنثورة ( فص فيروزٍ شائخ/ حق بثمالة العنبر / كوفية طفلٍ هلهلها الرمل / خصلة شعرٍ غامضةٍ / ما يرجع في السرج من الحرب / قلق ) ويعبرون، والنسوة يتطايرن فتنةً وإعجاباً يقول شعراً فيتضاحكن، و يبكي، وهي تسمع فأدركت النسوة أن الأمر تجاوز طاقة الشخص، وكاد يتلف من صمت المحبوب الناس يعبرون وأشياؤه المنثورة ( غمد فارغ / آثار دمٍ في خرقةٍ / رتاج مكسور/ جزء (عـم يتسائلون في صفرة الورق/ تعويذة إلفٍ /سقاء متقلص / مخلب نسرٍ / عرق لبانٍ / قطعة لحمٍ مقدود ) تكاد أن تنفد، وهي تسمع فقلن له (يا قيس، لقد ظلمك الحبيب بلا رأفة، وحقك أن تسيبه لعله لايستحق) فصرخ بهن :
(لا والله، كل خشيتي أنني لم أكن جديراً، فحقها علي أن أباهي بأني الخيط المنسل في ذيل وشاحها، وأقبل إذا هي قبلت

فإذا بنشيجٍ يصدر من جهةٍ تشف عن روحٍ أدركها بكاء لم تقدر على صده، فالتفتت النسوة ينظرن مصدر النشيج، فأشرقت شمس صغيرة من مطرحها وغابت كأنها تدخل إلى خباءٍ، وتراءى لهن أن ليلى طافت وأخذت ما تبقى من أشيائه المنثورة (ثالثة أثافٍ محروقة /غصن أراك / صوفة من وبر الإبل / نواة تمرٍ مثقوبة بشعرة الخيل/ خف حائل اللون/ نوم قليل/ قوس قزحٍ شاحب) وقيس مشدود، يكاد يخف إليها من مكانه، انجذاباً وهي تذهب عنه ذهاب القميص مسلولاً من الجسد فأدركت قيساً رعشة ريحٍ باردةٍ مست صدره المكشوف بعد انسلال القميص جالس في غرفة الطريق، يسقي النسوة شعراً، ويبكي عطشاً، وهن يتضاحكن مما يثيره الحب في كيانهن الذي من ماءٍ لا تطفئه النيران، يتضاحكن وهو يبكي وشمسه الصغيرة تذهب

 

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى