البشارة

ليس بهذ الشكل و لا بشكل آخر

الطبعة الأولى - 1997
دار قرطاس للنشر - الكويت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 216

 

باب اليأس

1

ليس كلاماً ما أحاول وقفَ نزيفه الدافق، إنه بوح الأقاصي العميقة فيما أراكِ تنأين عني. عندما كنت أبذل لك الروح، كنت مشغولة بما يخفيك عن مشهد الحب. وما إن وضعتُ لك المحبة في طاولة الكتابة، حتى طابَ لك النوم عن أحلامي.

ليس كلاماً هذا، إنه همس الجرح للنصل لئلا يكون قاسياً إلى هذا الحد، ولو أنك أصغيت قليلاً ، لسمعت البلور يتكسّر في قاع القلب.

هل صادف أن رأيت شخصاً ينذر نفسه إلى هذا الحد ؟!
إذن تأملي جيداً ما يدور بين يديك لتثقي أكثر، أن شخصاً مثلي لم يكن ليكف عن الكلام لو أنك كنت رأفت به مثل طير مذبوح.
تريثي قليلاً ، لكي يكون الوقت حنوناً بين يديك.
ليس كلاماً هذا يا سيدتي ،
إنه وصية الذاهب بلا هوادة لمستقبل فادح يضاهي السديم ،
دون أن أن تكون ثمة بداية أخرى،
سديم فحسب،
يذهب إليه ، يذهب ، لا يسعفه كلام ولا كتابة .

2

قيل له : كيف تسنى لك صمت في هذا الضجيج الصاخب .
قال : في الضجيج لا يسمع العالم بكاء القلب.
قيل له : أين كلمتك في دفتر الوطن.
قال : هذا دفتر سهرت على أوراقه بأحداق جاحظة ، وبَريتُ له الأقلام بالشغاف، وبذلت حبر الروح له، وصنعت له الجلدة من جسدي، فلا يصح أن يطرح سؤال فادح كهذا على شخص مذبوح مثلي .
قيل له : لماذا يذهب الناس وحدهم إلى المهرجان دونك ؟
قال : لابد أن يبقى شخص ضد القطيع . شخص يحرس اليأس.
قيل له : لكنهم يذهبون بحثاً عن الأمل .
قال : الأمل مثل الشمس ، إما أن يكون موجوداً أو لا يكون.
قيل له : أليس هذا ضربٌ من اليأس ؟
قال : على الأقل هذا يأس واضح أكثر من الأمل، وكل ما كان يأسنا واضحاً وحقيقياً صار الأمل قريباً، مشكلتنا أننا لا نخلص ليأسنا، أو أننا لا نملك حق اليأس والجهر به.
قيل له : لكنك توغل في العزوف والشك والعزلة .
قال : ليتني أستطيع أكثر من ذلك. ففي العزوف والعزلة والشك فضيحة لمهرجان السديم.
قيل له : يجب أن تعرف أين يذهب الجميع.
قال : القطيع لا يقدر على الذهاب أبعد من المسلخ.

3

مشكلتنا أننا محرومون من حرية اليأس.
فثمة نظام صارم يحكم على الإنسان أن يرى المشهد كما لو أنه الفردوس.
في حين لا يرى في الأفق غير الخوازيق والعسف ومحتملات الكوارث التي يهندسها لنا مهندسون من كل لون.
وعلينا أن لا نيأس ، أو لا نعلن يأسنا، لئلا نفسد وهم الفردوس على هؤلاء الذين يهيئون لنا هاوية تفتك بالروح والجسد معاً.

مشكلتنا أننا محرومون من آخر الحريات التي يحتاجها الذاهب إلى تلك الهاوية.
حرية اليأس،
ففي هذه الحرية يمكن أن نفتح الأفق المسدود على فضيحة الواقع، حرية اليأس تعني أن نقول أن الأمل الذي يروّجون له ليس إلا كذبة كبيرة تتأسس على فشل كافة المنظومات القائمة.

لا أحد يعبأ بأحد، ولا أحد يصغي لأحد، ولا أحد يتحدث مع أحد..
في الصباح ترقب ماذا تقول لك وسائل الإعلام، لكي تتأكد بأن ثمة من يستعد للدفع بنا قرابين في حريق وشيك، ينتصر فيه الآخرون، ونذهب نحن في هاوية الهزيمة الدائمة.
سديم يذهب إلى سديم. *

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى