البشارة

ليس بهذ الشكل و لا بشكل آخر

الطبعة الأولى - 1997
دار قرطاس للنشر - الكويت
الغلاف عبد الله يوسف
عدد الصفحات 216

 

الكتابةُ و ريح الموت

1

تأخذ الكتابة صاحبها إلى المهالك.

وإذا كان يعرف أنه ذاهب إلى المهالك، دون أن يفكر في التراجع، سوف ينال ما يعيده إلي الصواب باكراً. والصوابُ هو أن يحسنَ إعدادَ نفسه لتلك الطريق، لا أن يستدير عائداً إلى الخمول والخيبة. فالكتابة أن تغامر بالمخيلة، لا أن تذهب في طريقٍ عبَّدته العقول وداست عليه.

أعرف أشخاصاً كثيرين ينصحون أنفسهم، بعد ثلاث أو أربع خطوات في ذلك الطريق، بأن لا فائدة ، ويَقنعُونَ بالجلوس على قارعة الطريق، يستمطرون العابر والمسافر.

في حياتي تعرضت لأكثر من هاوية، تمنيت دوماً أن لا أنجو منها، فالنجاة هنا تعني النهاية. والذي يتذوق لذة الكتابة لن يستطيع أن ينجو منها. فكلما تقدم بي الوقت (في الحياة والكتابة) تأكدتُ أن لا فكاك مما أنا فيه. الحياة بعيداً عن الكتابة ستكون دائماً ضرباً من الذل والعراء في عالم لا يرحم الضعفاء، بدون الكتابة أكون شخصاً مفقوداً ولا رجاة فيه. بالكتابة فقط أستطيع أن أواجه العالم كله. كل أشكال النضال والمؤسسات التي عبرتها كانت قابلة للخذلان والفشل والإنهيار والخسارة، فلم يبق لي بعد كل ذلك غير الكتابة، القلعة التي لا تسطيع الحياة أن تهزمني عندما أكون متشبثاً بها .

الكتابة في الحياة ضربٌ من الدفاع عن النفس .

2

يتضاعف الخطر عليك إذا كنت في عالم لا يعبأ بالكتابة ولايكترث بالكاتب، عالم لا يوفر الفرص لنفي الكاتب وقتله إذا لم يتمكن من تفاديه. لكن لا أحد يستطيع أن يتفادى كتابة لا تخشى شيئاً ولا أحد. والمهالك التي أعني لا تقتصر في المجابهات المباشرة، التي

تتمثل عادة في غياب الحريات وشتى أشكال العسف والمصادرات، المهالك الأجمل تلك التي تتجلى في الجمال الكامن هناك في لذة الإتصال بالأرواح الشريدة ، قرينة الإبداع . تلك هي المهالك الذهبية التي لا يعرف لذتها غير الأحرار عندما يكتبون. في حياتنا سيكون أمام الذين يكتبون بحريات مخيلاتهم طريق واحدة لا شفاء منها، الطريق الذهبية للموت. وعلى الذين يرون في الكتابة شكلاً من أشكال الوجاهة في حياتهم، سيحتاجون لجميع أدوات التجميل لكي يفشلوا بعد ذلك في إخفاء قبحهم الفاضح.*

 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى