حدود المشروع الثقافي

(1)

ليس أن نلتقي، وندير الحديث، ونتفق، ونذهب. ليس أن نتوغل في تفاؤل يفرح القلب، فيما يتربص الواقع لأحلام لنا عارية من الأسلحة، ولا حصانة لها غير الكلام.

(2)

عندما ذهبنا إلى الاجتماع التشاوري الأول لممثلي (الاتحادات) الأدبية لدول مجلس التعاون، الذي أعدت له واستقبلته مشكورة (رابطة الأدباء في الكويت)، كنا نستجيب لرغبة جماعية في تحقيق قدر من الحوار المشترك بين فعاليات ثقافية وإبداعية، ليس أمامها إلا أن تتحرك لمجابهة مشاريع المصادرة، معلنة كانت أو كامنة.
وكان (ذلك) الحوار معرضاً (لهذه) المصادرة، بشروط جغرافية حيناً وسياسية أكثر الأحيان، ولأسباب ذاتية تارة وموضوعية دوماً. وهذا ما جعل الواقع الثقافي والأدبي محاطاً بما لا يقاس من المحاذير التي ترشحه لنوع مركب من الحصار، الذي ربما اختلف في الدرجة بين منطقة وأخرى، ولكنه من المؤكد أنه يتشابه في النوع. كانت كل (جهة) تبتكر اجتهاداتها في التعامل مع حركة الثقافة والأدب. من خلال أجهزة رسمية لم تزل تنظر إلى الثقافة (في أحسن الأحوال) باعتبارها إعلاما ينبغي أن يمتثل (لسياسة) السياسة، ويستجيب لخططها. في الطرف الآخر كان على الثقافة أن تتحمل شتى أنواع العسف، وبعد ذلك يجد البعض نفسه مؤهلاً للاستغراب من تخلف العمل الثقافي، وتفشي مشاعر الإحباط والفشل والنقمة في نفوس المتورطين في جنون الثقافة والأدب ومشاغيلهما.

(3)

من تخوم هذه الملابسات، لابد أن نؤكد بأن ذهابنا إلى الاجتماع التشاوري الأول لم يكن سوى اتصال بتلك الهواجس جميعها، بشكل أو بآخر، سواء أدركت ذلك جميع الأطراف المشاركة وأعلنته أم لم تفعل. ومهما كانت درجة الطبيعة الرسمية أو الأهلية التي صدرت عنها تلك المشاركات، إلا أن الهاجس (الثقافي) السياسي في شتى مناطق واقعنا الموضوعي سيظل هاجساً متصلاً (في جذره الشعبي) بإشكالية العمل الثقافي باعتباره فعل حرية واستقلال، وليس بامكانيته كمشروع خضوع وامتثال. وربما كانت هذه المسائلة تشكل القلق الرئيسي على الصعيدين الأهلي والرسمي.
وفي التحرك الملموس الذي حققته الأمانة العامة لدول مجلس التعاون في السنوات الثلاث الأخيرة باتجاه الثقافة والعمل الثقافي، (إلى جانب عناصره الإيجابية التي لا ينبغي التقليل منها)، تكمن العناصر المحتلة بالمحاذير الموضوعية التي عبرنا عنها في مناسبات عدة (من بينها ندوتا العمل الثقافي المشترك في كل من الكويت والرياض). تلك المحاذير المتعلقة بحدود السياسي وحدود الثقافي، وطبيعة العلاقة بين الأجهزة الرسمية وبين المؤسسات الثقافية الأهلية ومشاريع العمل الثقافي، ومنظور المشروعة السياسي لحريات المشروع الثقافي. كل تلك المحاذير ستظل حاضرة دوماً حين يجري الكلام عن العمل الثقافي في المنطقة. ففي تقديرنا أن التغافل عن هذه المسألة والقفز عليها، وعدم التعامل معها بمنطق حضاري، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، بل من شأنه أن يرشح أية مشاريع في هذا المجال للتعثر والفضل. وهذا بالضبط ما جعلنا نعبر عن قلقنا ونحن نساهم في الفعاليات الدائرة في المنطقة. ولعل مشاركتنا هذه كانت صادرة عن قناعة بالحضور للتعبير عن وجهات نظرنا بجانب وجهات النظر الأخرى، وجميعها اجتهادات قابلة دوماً للنقاش والشك والتبلور والنقض، دون أن نذهب بعيداً في التفاؤل، مادامت عناصر هذا التفاؤل غير متوفرة، وجميع الأطراف، بشتى اجتهاداتها قادرة على خلق هذه العناصر، إذا تيسر لها أن تمارس دورها الحقيقي، من حيث كونها تصدر عن فعاليات لابد أن تتميز بالاستقلال والفكرة المبدعة، محتفية بمسؤولية الرأي الآخر.*

الأحد 21 يونيو 1987

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى