لاثنين، قلب واحد

(1)

لفرط صغر الكلمات و قصرها، لا نكاد نتيقن بالضبط ما إذا كان النص يبدأ أم ينتهي. هكذا نحن أمام قصائد الهايكو اليابانية. حيث الإيجاز و البساطة، وينبغي استبعاد تعبير(الكثافة) لأنه لن يكون تعبيراً مناسباً لوصف هذه النصوص، خشية أن نتورط في توهم العمق الرمزي و التعقيد الفلسفي الذي قد نعثر عليه في نصوص قديمة وحديثة أخرى، لكن، هنا، في قصيدة الهايكو، تكمن جمالية المعنى في البساطة التي تتجلى بصورة متناهية إلى حد التماهي مع سذاجة طفل باهرة، حيث الصورة الشعرية تطلع في سطور ثلاثة مثل برعم الوردة، شكل متشابه الظاهر متنوع الباطن، يتاح لك أن تصادف للمعنى رائحة و أحياناً نكهة و ربما صوتاً يتراوح بين صليل الأجراس الصغيرة و النحيب المكتوم و الطيور الهاربة من الشباك. أمام هذه النصوص سوف تقع في احتمال الظن بأن ثمة شخص يتعلم الكلام للمرة الأولى، و سرعان ما يقترح علينا محاولته الأولى في كتابة الشعر. ليس طفلاً بالتحديد، ليس فلاحاً أمياً، ليس شاعراً محترفاً، ليس نبياً يتلعثم بالموعظة، ليس عرافاً يحاول ترجمة الطبيعة، ليس هواءً يتقمص الكلام و يبوح، وربما ليست وصايا أخيرة لطقوس سرية، و هو على كل حال ليس كلاماً يتصل بشهيق عبدالجبار النفّري عندما قال : عندما تتسع الرؤية تضيق العبارة. لكن من المؤكد أن هذا الشعر هو كل هؤلاء دفعة واحدة، مثل قتل من غير قصد.

(2)

هل يجوز لنا أن نقبل نص الهايكو بمثل هذه البساطة والعفوية التي يتماهى معها ويخترق حساسيتنا باللامبالاة ذاتها التي تنتاب العاشق بعد الحب.
قصيدة قصيرة بشكل فادح. شعر من غير قصد. هل مصادفة محضة أن يتصل معنى القصيدة، في عربيتنا المبجلة، بكون الشاعر قد كتب كلامه (قصداً) لكي يكون شعراً. وهل الشعر عند أصحاب الهايكو هو عفو الخاطر إلى هذا الحد. مثل حركة الهواء والتنفس و النوم و الأحلام، فيما هو عندنا راصد و قاصد وصارم مثل سيف؟!
لا بأس، ليكن ما يكون، فان قصيدة الهايكو تبدو لنا تجاوزاً لشخص (الشاعر) و مقاصده، إلى الحد الذي يتيح لنا الوقوع في الشك بأن هذه النصوص المتناهية في الصغر و الرهافة، يمكن أن تكون مكتوبة من قبل كائنات بشرية، فربما كانت الطبيعة هي التي أملتها على شخص ما، ربما الريح أو الشجرة أو الجبل أو، النهر أو السناجب أو المطر أو القمر. يجوز لنا أن نعتقد بهذا و نؤمن، دون أن يقلل هذا من إبداع الشخص، أو يحجب عنا جمالية البساطة الفاتنة. و إلا من يستطيع أن يجزم حقاً بأن النصوص التالية لم يكتشفها الشاعر في الغابة المجاورة !

(3)

لو لم يغنِّ طائر الليل
لكان مجرد طائر
أخضر فقط.
( أونيتورا)

لا تكن العجلة في قدميك
لا يكن الطمع في قلبك
لا تكن الشهوة في عينيك !
( سوكان )
لأن طفلها ينام
يغسل سراويله،
ضوء قمر صيفي.
( عيسى )
إذا كان لاثنين
قلب واحد
فلن يقاومهما شيء.
( شاعر مجهول )
حتى الفيل الضخم
يمكن لحبل مجدول من شعر النساء
أن يكتفه.
( شاعر مجهول )
دون تعثر، فارغاً
يتأرجح البرميل إلى هنا و هناك
عندما تهب ريح الخريف.
( بوزون )

( المختارات من ترجمة : )

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى