خروج من رماد الأسلاف

ما تمت معرفته لا يشكل لهذا الجيل مدعاة لكتابة ما، فالكتابة لم تعد ضرباً من فعل أخبار، إنها فعل اشتباك رؤيوي. هذا الاشتباك لا يحدث مع ما يعرفه القارئ لكن مع ما يكتشفه للمرة الأولى، ومع شكل هذا الاكتشاف.
من هنا تصدر كتابة هذا الجيل الذي يمعن في مغايرة النص الأول، مستنفراً أمام أية محاولة لترويض مخيلته، وسوف يذهب أيضاً إلى التنكيل بكل شروط الكتابة التي لا يجترحها اجتراحها.
يأتي شخص ليعترض على نص جديد قائلاً :
(لكنه لا يشبه شيئاً سبق أن قرأته!) هذا اعتراض مفهوم، لكن المقاربة المبيتة للنص الجديد غير مقبولة، لعدم فعاليتها.
النص الجديد لا يريد أن يقلد كتابة سابقة، إنه يقارب النموذج المجهول، الغامض، قيد الاكتشاف، من هنا سيجد المعترض فسحة كبيرة لمغايرة بين النموذج، القانون، الجاهز، وبين النص الجديد الذي يكاد أن يكون اجتراحاً، أو ينبغي أن يكون كذلك.
إنه يكتب الآن مخترقاً سلطة الجاهزية التي توفرها ذاكرة البنية، ليس لكتابة بنية مكتملة، إنها لا تكتمل، ولا تطمح لاكتمال بمعزل عن قارئ يحسن الاشتباك مع النص.
ليست قطيعة مع ما سبق، ولكن ارتياد لمحتمل المستقبل من خلال جحيم الواقع. هذا الجيل لا يعبأ بالذكرى، إلا باعتبارها رماداً يدخر ناراً ممكنة، ولا يكترث بالذاكرة بقدر طاقة المحو فيها.
كأني بكتابة هذا الجيل لا تريد أن تشبه الماضي ولا تتيح للمستقبل أن يخذلها. وهي لا ترى في الأسلاف سوى اكتمال على وهم يتوجب نقضه.
فإذا جاءت كتابة هذا الجيل منطوية على صعوبة القراءة، فذلك لأنها صادرة عن صعوبات الكتابة. فليس سهلاً الكتابة خارج ما تمت معرفته.

* * *

(عندما تمشط امرأة شعرها، فإنها تقلد حركات النجوم)
الفنان رودان

* * *

(سيقتلني) قومي إذ جدّ جدهم.*

الأحد 26 أبريل 1987

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى