محفل النقد

(1)

كلما زاد معدل الندوات العربية تراكمت أكداس الأوراق التي لا تستطيع أن تمسك فيها بما يمس الجوهر الإبداعي للنظر النقدي, فليس ثمة إبداع يجعلك تشعر بالفائدة في هذه الندوات. ولا يكفي دائما القبول بفكرة (النزهة السياحية) التي تتيحها تلك .الندوات, إضافة إلى ملاقاة الأصدقاء
ثمة خيبة الأمل التي تضاعف الشعور بأن عدم الجدية يخالط عمل بعض النقاد الذين يسارعون لقبول المشاركة في هذه الندوة أو تلك. عدم الجدية بحيث أن غيابا .فادحا للإضافات الجوهرية سوف نصادفه في الدرس النقدي العربي

(2)

لكن في لقاء طرفة بن العبد الأخير في البحرين, كانت الخسارة النقدية فادحة بصورة لا تليق, لا بالشاعر (الذي لم يكترث بهم حيا لكي يعبأ بهم ميتا ) , ولا يليق بالنقد الأدبي. وإذا نحن تجاوزنا الإعتبارات الإجتماعية والمجاملات التي تستدعيها واجبات الضيافة, فإن قدرا من الخفة كانت تشي بها مجمل الأوراق التي وردت في ذلك اللقاء. وبسبب من شعوري الشخصي بالخسارة الفادحة لتوظيف طرفة بن العبد في سياق إعلامي ساذج, فإنني كنت سأتجاوز القصورات المتوقعة في (مهرجان) على تلك الشاكلة, لو أن النقاد الذين شاركوا في اللقاء عملوا على
أخذ المسألة مأخذ الجد. فلسنا على قدر من السذاجة لكي نقبل هذا
الإستخفاف (النقدي ) المتمثل في مقالات صحفية وانطباعات سطحية لا تليق بشاعر مثل طرفة بن العبد خصوصا,
ولا تليق بالشعر عموما , وتسبب حرجا للنقد على الأخص. لكن يبدو أن الظاهرة العربية التي عودت المدعوين على عدم الإهتمام بما يقدمون (وأحيانا يتمنى منظمو المناسبة أن لا يقدموا شيئا ), والطريقة المهينة التي يجري بها تنظيم الندوات والحوار, ساهمت في ازدهار وتأصيل شعور عدم المسؤولية والإستخفاف بمضمون الورقة, الى درجة أن بعضهم لا يتورع عن تلفيق أية مقالة مزخرفة بانطباعات عن الموضوع لتبرير مشاركته. وهذه الظاهرة قد أس ست لها الطبيعة الإعلامية التي تصدرعنها (وتذهب إليها) المؤسسات العربية المنظمة التي لا يهمها سوى إنجاز اللقاء دعائيا. ويمكننا خصوصا الإشارة إلى الطريقة المرتجلة التي تمثلت في مواعيد وأماكن الندوات, الأمر الذي أكد التهميش الموضوعي والتنظيمي الذي تحقق في الملتقى, وجعل قاعات الندوات في كوكب بعيد عن صلب المعنى المعرفي الذي جرى الكلام عليه طوال فترة الإعداد للملتقى, مما كان سببا في المواقف المحرجة للنقاد المشاركين, لكي أسمع من أحدهم بأن هذه هي أسوأ ندوة حضرها على الإطلاق, وأشعر شخصيا بالحرج مضاعفا

(3)

:لقد كانت الأوراق المقدمة في لقاء طرفة بن العبد لا تتجاوز منزلة بين المنزلتين
الدرس الجامعي المأخوذ مباشرة من قاعات المحاضرات, والإنطباع الصحافي العابر الذي لا يشي بجهد تأملي في التجربة الشعرية ومقاربتها لمنجزات الواقع الإبداعي العربي الراهن : حياة وشعرا

وعندما نعبر عن قلقنا تجاه هذه الظاهرة, إنما نشير إلى خصيصة خطيرة راحت تستشري في الواقع الثقافي العربي : بوعي مؤسساتي يستهدف تسطيح العمل النقدي وتجريده من أسئلته الحضارية من جهة. وباستسلام وإرتخاء فكريين يفسدان على النقاد العرب عملهم العميق ويفقدهم شهوة الكشف الإبداعي في ما ينتجون من كتابة. وهي كتابة غالبا ما تظل في هامش النص وهامش الواقع في آن واحد ويستطيع المراجع المتأمل لمعظم الأوراق التي قدمت في ملتقى طرفة بن العبد أن يكتشف فداحة ما وصل إليه العمل النقدي, وهو يذهب ضحية الإستعداد الدائم الإستجابة لكل دعوة توجه إليه للمشاركة, دون أن تتميز هذه المشاركة بالتمسك بشرطها الجوهري في حقل العمل الذي تشتغل عليه, وهو شرط الإضافة المعرفية والإبداعية

ثمة سرد إنشائي يتورط في الشروح و التفسير التقليدية, التي لم تعد تتصل باللحظة الراهنة للعمل النقدي. سرد سأمه التلاميذ وطلبة الجامعة, كيف يفكر باحث أن يأتي به في حلقة نقد تتطلب قدرا من الجدة و العمق لماذ يتوجب علي أن أخرج من الورقة بأسوأ الإنطباعات وأشعر بالوحشة لغياب الروح الشعري في نص ينبغي له أن يكون تأملا نقديا , أي قراءة عميقة باحثة في نصوص تجربة غنية مثل تجربة طرفة بن العبد, لماذا أصادف الأشياء والأفكار ذاتها التي .صادفتها منذ سنوات طويلة, مستعادة بصورة كئيبة وتخلو من المتعة

(4)

ما يلفت في معظم الأوراق المقدمة ذلك الغياب الواضح للأسئلة العميقة والجديدة في مجالها. مما يؤكد أن نقدنا لا يزال يدور في حلقات مفرغة من العمل المدرسي المبالغ في الشرح والتفسير, لا يخرج عن التقليد ولا يخرج عليه. الأمر الذي يمكن اعتباره وعظا لتلامذة المرحلة الإبتدائية, (لكي نعبر عن استغرابنا إلى كون مثل هذه الدروس لا تزال تكرس لشحن عقل وذائقة طلبة الجامعات العربية حتى الآن) وبمثل هذا الأسلوب في الدرس الجامعي سوف تواصل نفس المناهج طريقها للحقل النقدي العربي, وبدل أن يكون الحقل غنيا بمعطيات الجامعة المتجددة, سوف نصادف التردي والإستخفاف بالعقل الأدبي المحاصر في .المجتمع, لتضاعف في حصاره معطيات الجامعة المتخلفة

وما عدا ورقة عبدالله الغذامي لم أصادف سؤالا عميقا يمس البنية الذهنية العربية وطريقة نظرها للعالم من خلال النص بوصفه سياقا حضاريا ثم ورقة محي الدين اللاذقاني الذي أشار (دون سبر) إلى البعد الكوني لتجربة الشاعر ( مقترحا فذلكة تاريخية فنية محسوبة). أقول فيما عدا هذا, لن تصمد الأوراق الأخرى أمام الرغبة في العثور على ما يمكن اعتباره جديدا بالمعنى النقدي للكلمة, فقد وقفت .جميعها عند مقاربات الظاهر البسيط الذي لايحتاج لتفسير , إلا من تفسير الماء

(5)

أسوق هذه الملاحظات العامة صادرا عن الرأي والذائقة الذاتيين في مجمل الأوراق التي قدمت في ملتقى طرفة بن العبد, فإنني حقا كنت أتوقع من النقاد أن يطرحوا علينا منظورا (ذاتيا ) بالمعنى الإبداعي للكلمة. ففي الفن والفكر لا يكون .الشخص جديدا ومتميزا إلا إذا امتلك نظرة ذاتية تقتحم الموضوع وتسائله

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى