له حصة في الولع
نثر مائل وشعر وشيك

مؤسسة الانتشار العربي
لوحة الغلاف : عبا يوسف - البحرين

 

8 - ذئب يتدرب على الموت

راحة الأرواح

1

كانت العربة تذرع بهما ليلَ المدينة، عائدين من دقائق اللقاء الأول، كأنه الأخير. قرأ لها كتابه الأخير، وصبّت له قدحاً من البهجة. أخبرها أنه يغادر غداً المدينة عائداً إلى الكهف. فانفجر نهر صغير من الدمع، لكي تقنعه بالعدول عن الرحيل. الحوذي مشغول بحث جياده على عبور إشارات المرور واختراق الطرق من عتمة إلى أضواء كئيبة إلى ضجيج بشر لا يدركون ما تحمله العربة من بكاء مكبوت. وهما في المقعد الخلفي مفعمان بالمشاعر الغامضة. تقول له، بجسد يرتعش لفرط الانفعال، لا تذهب. وهو مختلج بالارتباك لا يعرف ماذا يفعل للجحيم الصغير الذي يبعث الحسرة في كيانه. وما إن يضع يده المترددة على جرح لكي يلتئم، حتى تندسّ في حضنه مثل أرنب مذعور يرغب بالاختباء. ينثني عليها فتلفح وجهه أنفاسها فيشعر بالنار تخترقه. لم يكن عطراً، كانت رائحة الروح تصعد في هيئة التضرع. لا تذهب، ولا تتركني وحدي. وهي لا تعرف أنه سيذهب إلى غربته وحيداً هو أيضاً. ولم يدرك أحد منهما من الذي سيغادر الآخر. العربة تشحذ الإسفلت بحسرة تتفاقم في المقعد الخلفي، والحوذي لا يدرك أنه يقود مركبة النيران إلى الفراديس. وقفت العربة بهما أمام النزل الذي يشرف على البحر. كانت السفينة ترفع قلوعها لكي لا تدركها الشمس وتفسد شهوة السفر. لم تلتفت لكي يلثمها بنظرة الحسرة. تلك اللحظة التي لا تطاق. الوداع. لم يكن الكلام قادراً و لا الصمت. كائنان غريبان، التقيا بغتة وها هما يفترقان بغتة. لا الأمل يسعفهما ولا اليأس. كلاهما يدرك أن لا فائدة، وكلاهما يتشبثان باللحظة النادرة لئلا تعبر سريعاً. تصدر عن لغة الكتب (الذي يكتبها)، ويصدر عن تجربة الحياة التي بالكاد تذهب إليها. بينهما برزخ المفازات الجهنمية، يتجابهان مثل نمرين يقتتلان بالكوامن المكبوتة، يتحاجزان بالغرور حيناً وبالمكابرات حيناً وغالباً يتمرغان في هزيمة وشيكة. يركض كلاهما نحو الآخر ولا يلتقيان. تقول عن الحب ويأخذه حزنٌ ثاقب. والحوذي يلتفت نحو أحصنته المنهكة، بعد أن جال بهما الأرض طوال الليل لئلا يطلع عليهما فجر فاجر. يعتذر لفرط خسارته، فيما تكون خسارتهما قد بالغت بهما. وعندما أوشك نهر الدمع المرنق بالكحل على الفيضان ليملأ المقعد الخلفي، أيقنَ أن لا مفر من المغادرة. قالت له أن الفارس الذي يترك امرأته وحيدة في ليل كثيف مثل هذا، سيحمل وسام الجبن إلى الأبد. تلقى وسامه بجسارة من يعرف النهايات، وانسلَّ مثل روح من جسد. وفيما كانت العربة تبتعد عنه، همس لقلبه لئلا يسمعه أحد : (لا تيأس من رحمة الحب).

2

قلت لك عن المستحيل،
فشهقت بكتفين متغطرسين،
أنظري الآن ماذا يحدث لأرواحنا.
نكاد نصاب بالعطب لمجرد أن اللغة ليست لنا
والخريطة منهوبة منا،
ولأن الجغرافيا لا ترحم الغريب،
ولأن الدرس لا يحدث إلا في الكتب،
ولأن الحب هو فقط أن تظل هناك، وحيداً، وحدك،
ولأن الفصول لا تتداخل إلا لكي تصطرع،
ولأن مستقبلنا هو الماضي،
ولأن أحلامنا المستحيلة تظل أكثر جمالاً وهي كذلك،
كان عليك أن تصغي للمستحيل الرابع
لئلا يتحقق

 
 
السيرة الذاتية
الأعمال الأدبية
عن الشاعر والتجربة
سيرة النص
مالم ينشر في كتاب
لقاءات
الشاعر بصوته
فعاليات
لغات آخرى